رئيس التحرير
عصام كامل

لعنة "الاتفاقيات المشبوهة" تطارد "أردوغان" و"السراج".. ومحكمة ليبية تقضي بـ"بطلان ترسيم الحدود والتعاون العسكري"

أردوغان والسراج
أردوغان والسراج
«اتفاق منتهي الصلاحية ويرقى إلى حدود الخيانة».. الوصف الأدق الذي طارد الاتفاق الذي سبق وأن أبرمه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مع فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق الليبية السابق، في نهاية نوفمبر 2019، المتعلق بترسيم الحدود البحرية، والذي كان يرغب «أردوغان» من ورائه إثارة المزيد من النزاعات حول التنقيب عن الغاز في مياه البحر المتوسط.


الاتفاق المشبوه

وشهدت الأيام القليلة الماضية تجدد الحديث عن «الاتفاق المشبوه»، وذلك بعد أن قضت الدائرة الإدارية بمحكمة الاستئناف في مدينة البيضاء الليبية ببطلان اتفاقيتين مشبوهتين بين حكومة الوفاق غير الدستورية بالعاصمة طرابلس والنظام التركي، وهما اتفاقية «ترسيم الحدود البحرية مع تركيا» واتفاقية «للتعاون الأمني والعسكري».




وسبق وأن أرسلت أنقرة بموجب تلك الاتفاقيات الباطلة هذه، نحو 20 ألف مرتزق سوري و10 آلاف متطرف من جنسيات أخرى إلى طرابلس.

كما أعلن «أردوغان» عن نشر قواته في ليبيا لدعم حكومة السراج غير الشرعية، وهو ما اعتبر بمثابة غطاء لانتهاك حظر الأسلحة المفروض من الأمم المتحدة على ليبيا منذ عام 2011، حيث تقدم دعما كبيرا للمليشيات في طرابلس لمواجهة الجيش الوطني الليبي.

بطلان الاتفاقية

لكن الآن وبعد صدور قرار داخلي رسمي ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود المرفوضة دوليًا واتفاقية التعاون الأمني والعسكري، وكذلك مطالب واشنطن هي الأخرى بسحب فوري للقوات الروسية والتركية من ليبيا بما يشمل القوات العسكرية والمرتزقة، في موقف حازم لإدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، والدور الذي تقوم به مبعوثة الأمم المتحدة إلى ليبيا بالإنابة ستيفاني وليامز، بشأن إخراج المرتزقة من ليبيا ووقف إطلاق النار.

باتت الأعين تتطلع إلى سيناريوهات المستقبل الليبي ومخطط تركيا وحكومة السراج تجاه ليبيا والمساعي الدولية لحل الأزمة الليبية حال تنفيذ تلك القرارات.

وفي هذا السياق، قال اللواء محمد عبدالواحد، خبير الشئون الأفريقية والأمن القومي: لا شك أن المسار العسكري، متمم ومكمل للمسار السياسي، لكن هناك ثمة اختلافات بينهم تتعلق بالشكل والمكون والأهداف والدوافع، حتى يجعل المراقب للمشهد يتصور أنه هناك تقدم ملموس في المسار العسكري.

وبالتالي يقلل من احتمالية حدوث نجاحه على المسار السياسي، وهذا في الحقيقة مخالف للواقع، نظرًا لأن المسار العسكري، والمقصود به اللجنة (5+5 )، يضم عسكريين ممن يغلب عليهم الانضباط والالتزام والحماس لتحقيق أهدافهم، فضلًا عن قدرتهم على مواجهة وحل الأزمات وعدم ارتباطهم بتوجيهات سياسية، إضافة إلى أن حساباتهم إلى حد ما بعيدة عن معادلات الربح والخسارة كما في التفاوض السياسي.

المرتزقة 

ليس ذلك فحسب بل يسعي لتحقيق أهداف الحاضر، والمتمثلة في وقف إطلاق النار، وإخراج المرتزقة، والبحث عن السلام واستمرار الهدنة، بينما المسار السياسي ينظر دومًا للمستقبل والمناصب التي يمكن أن يعتليها وإمكانية السيطرة على وزارات سيادية أم لا، وفرص تواجده في المجلس والآمال التي يمكن تحقيقها في المستقبل.

وبالتالي تطلعات المسار السياسي أعلي وأعم من المسارين العسكري الرئاسي وغيرها، لذا فإن تنفيذه أو تطبيقه على أرض الواقع صعب إلى حد ما، كما أنه سيواجه صعوبة في تحقيق مكاسب سياسية تتعلق بالسلطة والثروة والنفوذ والوظائف المهمة، الأمر الذي يدفع المطالب الفئوية للطوائف المختلفة مثل الأمازيغ والطوارق وغيرهم وهو ما يهدد تحقيق أي تسوية سياسية للأزمة الليبية خلال الفترة المقبلة.

وأضاف «عبد الواحد»: من أسباب نجاح المسار العسكري أيضًا، الضغوط الدولية التي تمارس عليه لوقف القتال، وهو ما لوحت به المبعوثة الأممية بالإنابة لدى ليبيا، ستيفياني ويليامز بشكل مستمر، وأنه من الممكن إدراج بعض الشخصيات المعارضة على اللائحة السوداء الأمريكية وفرض عقوبات على أي شخص يقوم بعرقلة عملية السلام في ليبيا.

وفي النهاية يمكن القول أن المسار العسكري مرتبط بشكل وثيق بالمسار السياسي، لذا فاستمراره ونجاحه مرهون بعدم فشل المسار السياسي وعدم تغيرات عسكرية على الأرض، لكن في النهاية طريق المسارين محفوف بالمخاطر، وعلى الليبيين أنفسهم أن يكونوا حذرين ويتعاملوا مع الأزمة بحكمة وسرعة تنفيذ وفرض حالة من الأمن والاستقرار في الشارع الليبي.

وتابع خبير الشئون الأفريقية والأمن القومي: بشأن قضاء المحكمة الليبية ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود الموقعة بين حكومة الوفاق والنظام التركي، فهذه الاتفاقية قانونيًا باطلة منذ البداية محليًا ودوليًا، نظرًا لأن المجلس الانتقالي لا يحق له عقد اتفاقيات دون تمريرها على البرلمان الليبي، ولأمور أخرى كثيرة تتعلق بالشق القانوني.

توازن قوى

كما أن هذه الاتفاقية عملت على حدوث اشكالية كبيرة حيث أنها أدت إلى توازن نسبي للقوة على الأرض فهي لم تمكن الجيش الوطني الليبي من السيطرة على طرابلس، وكانت بمثابة حائط بوجهها نظرًا لأنها حظت بدعم سريع من تركيا تمثلت في طائرات بدون طيار، ميليشيات تحارب بجانبهم، أسلحة لا حصر له.

وأوضح، أن «البلاد أصبحت على شفا الدخول في اتفاقيات سلام ووقف إطلاق نار وإخراج المرتزقة والمليشيات المتواجدة وحتى الجماعات السياسية الدينية، لذا فمن الأفضل محو تلك الاتفاقية من قبل المحاكم الإدارية.

كما أن إيقافها لن يلقي معارضة شديدة لأن من مصلحة حكومة الوفاق خلال الفترة المقبلة أن ترعي عملية السلام حتى لا تُتهم أنها تعرقل عملية السلام»، مضيفًا أن «بطلان تلك الاتفاقية يأتي لصالح تركيا التي غرست قدمها في الوحل داخل ليبيا، حيث أنه يمكنها الآن تخفيف تواجدها في ليبيا لضبط اقتصادها المنهار في أنقرة.

وما يساعد أردوغان على ذلك أنه بات يواجه معارضة شديدة داخل الاتحاد الأوروبي بعد توقيع تلك الاتفاقية التي جاءت بمثابة اعتداء على الحدود المائية لقبرص واليونان، فالاتحاد الأوروبي من البداية ينتقد تواجده في البحر الأبيض بغرض التنقيب.

كما أن تغير المشهد السياسي في الفترة الأخيرة والتحالفات العربية مع قطر يمكنها أن تساعد تركيا على التراجع وفتح قنوات اتصال مع الاتحاد الأوروبي من جديد».

وشدد «عبد الواحد» على أن «التحالفات الأخيرة والمصالحات بين العرب والغرب بدأت تدفع أردوغان للتراجع نظرًا لكونه أصبح منبوذ من كافة الأطراف،فهو دومًا كان ما يبرر تواجده في الصراع الليبي على أنه وكيل للأمريكان في المنطقة لتحقيق مصالحهم وذلك كان في فترة إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب.

الآن وبعد انتهاء ولاية ترامب وتولي جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية أصبح غير قادرًا على الاستمرار في تلك الممارسات حتى لا يتهم بدعمه للجماعات الإرهابية والبلطجة في منطقة البحر المتوسط وسرقة ثروات الدول الأخرى وانتهاك القانون الدولي».

توقيت مناسب

من جانبه قال رضوان الفيتوري، المحلل السياسي الليبي: الحكم الذي أصدرته المحكمة الليبية يعد حكمًا في غاية الأهمية من حيث التوقيت والمضمون، فبالنسبة للمجتمع الدولي هذه الاتفاقية غير معترف بها رسميًا، لكن الآن وبصدور حكم القضاء الليبي تم قطع الخط عن أي تشكيلات حكومية مقبلة أو المضي به قدمًا، الأمر الذي يمكنه إرباك المشهد تمامًا.

لأن الكل الآن في تصارع محموم على السلطة، لذلك رأينا في الفترة الأخيرة تصريحات لجنة (5+ 5) العسكرية وزيارات روسية لليبيا، لذا يمكن القول أنه من الآن وحتى 5 فبراير الجاري سوف يحدث تنشيط وتفعيل لتلك اللجنة وتشكيل جسم بشرعية دولية يمثل الليبيين لسنوات وسنوات من الناحية السياسية.

وأضاف «الفيتوري»: بالنسبة لطلب واشنطن سحب القوات الروسية والتركية من ليبيا على الفور، من المعروف أن هذا الطلب يثير علامات الاستفهام، نظرًا لأن القوات التركية موجودة عيانًا وهناك آلاف المرتزقة، وهناك أيضًا آلاف الأسري داخل سجون القوات المسلحة الذين ينتمون لعدة جنسيات.

ولم نر أي أسير روسي، إذا يعد ذلك تلميحا بالدرجة الأولى للقوات التركية وليس القوات الروسية المزعومة، كما أن الخارجية الروسية نفت بشكل قاطع وجود أي قوات روسية في الداخل الليبي.

نقلًا عن العدد الورقي...
الجريدة الرسمية