رئيس التحرير
عصام كامل

توفيق الحكيم: دفعت ثمن عداوتي للمرأة والبرلمان

فيتو

في أكتوبر عام 1938 كتب الأديب توفيق الحكيم في مجلة آخر ساعة مقالا تحت عنوان "أنا عدو المرأة والبرلمان" وصف فيه مناقشات البرلمان بطائر في الهواء، وأنه معمل كلام ولا شيء غير الكلام وأن المرأة والبرلمان يتفقان في الثرثرة والكلام.


قامت الدنيا بعد نشر المقال الذي أغضب زعيمات الحركة النسائية وأعضاء البرلمان والحكومة والأحزاب، فرد الأديب الكبير توفيق الحكيم في مقال على ما أثير ضده فكتب قائلا:

هذا المقال الذي أحدث ضجة كان وليد شعور عندي بأن الديمقراطية عندنا انقلبت عندنا إلى معمعة ومعركة بين رجال الأحزاب، وأن هذه المعمعة قد شلت سير العمل.

وأنا لم أكن من الذين انخرطوا في سلك حزب أو كتلة أو هيئة، فقد كنت شديد الحرص على التمسك باستقلالي في الرأي في النظر إلى كل ما يجري حولي، ولم تكن لي مصلحة خاصة بشأن المتصارعين في المعمعة الحزبية، إنني أردت أن أتكلم لوجه الله والحق وللمصلحة العامة وحدها كما أراها من أعلى البرج الذي كان يعصمني من تيارات المصالح الشخصية التي كانت تواجه كل مسار وقتئذ.

لذلك أطلقت على نفسي ساكن البرج العاجي، ولم يكن بالطبع مفهوم ذلك، إنى غير مبال بما يحدث في بلادي، على العكس كان معنى برجي هو الارتفاع عن أمواج المصالح الخاصة ورؤية الأشياء بعيدا عن المنافع والأغراض.

وقبل أن أغضب رجال السياسة بهذا المقال كنت قد أغضبت المرأة بنقدي للحرية الزائفة التي فهمتها خطأ هي الأخرى، ففى جانب وقفت ضدي زعيمات النهضة النسائية وعلى رأسهن زعيمتهن هدى شعراوي، وفي جانب آخر وقف زعماء الديمقراطية المزيفة كما أصفها. ولم يكن غرضي في الحالتين سوى العمل المنتج وليس الثرثرة الفارغة.

وهكذا أصبحت عدو المرأة والنظام البرلماني وهي عداوة مؤقتة طبعا تزول بزوال تلك الأسباب، ولكي لا يكون رأيي أيضا من قبيل الكلام حاولت أن أجد حلا علميا، فكان أن اقترحت الحل الذي أثار ثائرة جميع الأحزاب، وهو تجنيد كفاءات تعمل تحت نظام لا يعرف الحزبية لوقت معلوم.

وكانت الغضبة أشد عندما اخترت أشخاصا كانوا في ذلك العهد ممن لم ينخرطوا في سلك أحزاب وكل ما نعرفه عنهم أنهم ظهروا بأعمالهم وليس بأحزابهم.

وكان أيضا من نتائج المقال المذكور أن قرر رئيس الحكومة في ذلك الوقت وهو محمد محمود باشا، رئيس حزب الأحرار الدستوريين، أن يفصلني من وظيفتي بقرار من مجلس الوزراء المزمع عقده بعد أيام.. ولكن بعض أعضاء من وزارته من الأدباء والمفكرين أمثال د. محمد حسين هيكل والشيخ مصطفى عبد الرازق استمهلوه رغبة في معالجة الأمر بوسيلة أخرى.

صاح بهم محمود باشا: أنتم أدباء مع بعض وتريدون المماطلة، وإذا لم تنهوا الموضوع بعقاب رادع خلال أسبوع، فلا بد من إجراء حاسم من مجلس الوزراء.

كان د. هيكل وزير المعارف.. الوزارة التي أعمل بها، فأحضر وكيل الوزارة العشماوي بك وناقشه في أمر العقوبة ليبلغ النتيجة لرئيس الوزراء، وينتهي الأمر واقترح أن يوقف مرتبي لمدة عام ونصف، قال له العشماوي: إن هذا ليس من حق الوزير، بل من حق مجلس التأديب الذي يستلزم دفاع ومرافعة وقد ينقلب الأمر إلى مظاهرة وروح المجلس متجهة إلى البراءة وعند ذلك ستكون صفعة للحكومة.

خرجوا جانبا فكرة مجلس التأديب واتجهوا إلى فكرة الخصم المباشر من الوزير لخمسة عشر يوما من مرتبي.
الجريدة الرسمية