رئيس التحرير
عصام كامل

في الذكرى المئوية لميلادها.. أسرار من حياة الراقصة تحية كاريوكا

فيتو

في مثل هذا اليوم 22 فبراير عام 1919، جاءت إلى الدنيا بدوية محمد أبو العلا النيداني، التي أصبحت فيما بعد تحية كاريوكا، تلك الراقصة المتميزة، والفنانة متعددة المواهب، راقصة مصر الأولى في العقود الأولى من القرن الماضى، والتي كان يتردد صدى اسمها في كل مكان، ووصلت شهرتها إلى أبعد الحدود، المتمردة المناضلة التي تُعد محطات حياتها المتعاقبة صالحة لكي تكون مادة غنية لفيلم طويل مدهش الأحداث، وفى الذكرى المئوية لميلادها نسرد جوانب وأسرارا من هذه الحياة التي لم تكن ختامها مسكا، ولم تكن نهايتها كالأفلام سعيدة.



طفولة متمردة
ولدت تحية كاريوكا في محافظة الإسماعيلية، وكانت صغيرة حينما انفصلت والدتها عن والدها، فانتقلت لكى تعيش في منزل الأب، ولكنها لم تتمكن من تحمل شقيقها وعنفه في التعامل معها، فقررت الهرب حينما كانت طفلة في الخامسة عشرة من عمرها، واستقلت القطار المتوجه إلى القاهرة من الإسماعيلية، ولم تكن حتى تملك أجرة القطار، فتطوع بعض الركاب بدفع ثمن التذكرة لها، وحينما وصلت العاصمة عملت كومبارسا في إحدى الصالات براتب شهري يبلغ 3 جنيهات.


عالم بديعة مصابنى
كانت هذه الطفلة عاشقة للرقص وعالمه، راغبة في الاستمرار في العمل به، فقررت الذهاب إلى بديعة مصابني ملكة المسارح والرقص في بداية القرن الماضى، وقبلتها بديعة للعمل معها، وهى من أطلقت عليها اسمها الفنى "تحية"، أما لقبها كاريوكا، فقد استوحته من رقصة جديدة مستوحاة من الموسيقى البرازيلية اسمها "كاريوكا"، فقدمت هي الرقصة ولاقت إعجاب الجموع. وفى رواية أخرى عن سر هذا اللقب قيل إنها طلبت من مصمم رقصات إسباني تصميم رقصة مميزة لها فصمم لها رقصة "الكاريوكا" التي لاقت نجاحًا كبيرًا، وتميزت بها تحية وجذبت الأمراء والنبلاء إلى كازينو بديعة، وتدرج راتب تحية حتى وصل إلى 6 جنيهات شهريًا، وقفز راتبها فيما بعد في الصالات إلى 100 جنيه شهريًا لتصبح الراقصة الأولى في مصر.

كاريوكا والسينما
كان أول فيلم سينمائى لتحية كاريوكا عام 1935، وهو "دكتور فرحات" مع المخرج توجو مزراحى، وتوالت أعمالها السينمائية مما جعلها تُقبل على اعتزال الرقص في الخمسينيات لتتفرغ للعمل في السينما، وأثبتت جدارة في عالم التمثيل، ولم تكن تظهر كراقصة فقط، بل كانت تقدم أدوارا متنوعة ومتعددة، ووصل رصيد أفلامها السينمائية إلى 300 فيلم، لعل أبرزها أفلام "شباب امرأة"، و"لعبة الست"، و"أم العروسة"، و"درب العوالم"، و"حبيب قلبي"، فضلًا عن تقديمها عدد من المسرحيات يصل عددها إلى 25 مسرحية.


الراقصة والسياسة
وكما كانت تحية مبدعة ومميزة في عالم الفن، فإن هناك جوانب من حياتها كانت جديرة بالاهتمام، ولعل أهمها الجانب السياسي، فقد كانت تحية تشارك في عدد من المسرحيات السياسية، وكانت لها مواقفها الوطنية ضد الملك فاروق، لعل أبرزها حينما كان ينتقل الملك من ملهى لآخر في الليلة نفسها، وظهر في الملهى التي كانت تقدم فيه تحية رقصتها، فذهبت إليه لتعاتبه قائلة إن هذا المكان لا يليق بملك، بل الأفضل له أن يعود إلى قصره، كما أنها كانت تنقل بسيارتها بعض احتياجات الفدائيين من مواد متفجرة وعتاد قبيل الثورة لتنفيذ عمليات فدائية، فضلًا عن انتقادها الضباط الأحرار بعد الثورة وعزل محمد نجيب، بقولها ذهب فاروق وجاءت "فواريق"، ولقد قبض عليها وسُجنت، وبخلاف ذلك فإنها أيضًا قد تدربت على السلاح إبان العدوان الثلاثى على مصر، وجمعت كثيرا من التبرعات لنصرة الفلسطينيين، وقادت إضراب نقابات المهن الفنية ضد قانون اعتبرته جائرًا بحق الفنانين.

تحدى الصهيونية
أثناء سفر أبطال فيلم "شباب امرأة"، وعلى رأسهم تحية كاريوكا وشكري سرحان إلى مهرجان كان بعد ترشيحه عام 1956، شهدت إحدى حفلات العشاء التي تُقام على هامش المهرجان حدثا جللا، فأثناء تواجد أبطال الفيلم المصري في الحفل تواجدت ممثلة مؤيدة للصهيونية وهى سوزان هيوارد، التي وجهت عبارات تحمل إهانة للعرب، تزامنًا مع التوتر الشديد الذي كان يحيط بالعلاقات بين البلدين في هذه الفترة من الزمن، وما كان من تحية كاريوكا إلا أن تنهال على الفنانة الصهيونية بالسباب ولم تصمت على الإهانة التي تعرضت لها بلادها، وحينما علم النجم الأمريكي دانى كاى بذلك حاول أن يرد إهانة تحية ولكن الأخيرة ضربته بـ "الشبشب"، ولقد أثر هذا الموقف على لجنة التحكيم التي لم تمنح فيلم "شباب امرأة" أي جائزة رغم إعجاب كثير من النقاد به.


14 زوجًا
وكانت تحية كاريوكا معروفة بتعدد زيجاتها، فقد وصل عددهم إلى 14 زوجًا، وكان أول هؤلاء، أنطوان عيسى، نجل شقيقة بديعة مصابني، الذي أشهر إسلامه من أجل عيونها، ومن بين هؤلاء الأزواج أيضًا مجموعة من الأسماء الشهيرة في عالم الفن من بينهم رشدي أباظة، وأحمد سالم، وفطين عبد الوهاب، ومحرم فؤاد، والفنان فايز حلاوة، وغيرهم من خارج الوسط الفنى، أما آخر أزواجها فكان المخرج المسرحي حسن عبد السلام.


المشاهد الأخيرة
في المشاهد الأخيرة من حياتها، ركزت تحية كاريوكا نشاطها في العمل الخيري وارتدت الحجاب وحرصت على أداء فريضة الحج، عاشت زاهدة في الدنيا، ولم يقتصر الأمر على هذا فقط، بل قررت تبني الطفلة الصغيرة "عطية الله"، وهي الطفلة التي تولت الراقصة فيفي عبده مسئولية تربيتها بعد وفاتها، وفي 21 سبتمبر عام 1999، توفيت تحية عن عمر يناهز 80 عاما بعد حياة مديدة مملوءة بالأحداث ولم تخل من الدراما.

الجريدة الرسمية