قصة معركة محيي الدين ضد مصطفى محمود.. الماركسية لا تعادي الإسلام يا دكتور
"لماذا رفضت الماركسية".. كان هذا عنوان لكتيب لا يتعدى عدد صفحاته الـ 50 صفحة، يحتوي على خمسة مقالات كتبهم الراحل الدكتور مصطفى محمود بشكل دوري في عموده الثابت بجريدة الأخبار، لينضم الكتيب إلى سلسلة من الكتب التي تتخذ المنحى ذاته، أهمها "الإسلام والماركسية"، "أكذوبة اليسار الإسلامي"، و"حوار مع صديقي الملحد".
وهاجمت كل تلك الكتب بقوة توجه العالم العربي والمصري خلال حكم الرئيس جمال عبد الناصر، من أفكار وسياسات ومعتقدات ذات مسحة ماركسية أو شيوعية، نظرا لطبيعة المرحلة التي ساندت فيها الدول الشيوعية كالصين وروسيا وتشيكوسلوفاكيا التجربة الاشتراكية المصرية بقيادة عبد الناصر. عول خلالها محمود على النزعة الدينية والآيات القرآنية التي تدحض، وفقا له، التجربة الماركسية مهما تغلفت بمصطلحات كالاشتراكية أو الناصرية.
في الفصل الثاني من الكتيب، أفردت الجريدة مساحة رد للصاغ الأحمر القطب اليساري المصري الخالد، "خالد محيي الدين" للرد على ما ورد في الجزء الأول من المقالات، والتي اتهم فيها مصطفى محمود اليسار المصري متمثلا في حزب التجمع الوحدوي التقدمي، الذي تأسس عام 1976 وترأسه محيي الدين ليكون المنبر اليساري المصري الوحيد آنذاك، وكذلك اليساريين المصريين ككل بالتبعيىة العمياء للاشتراكية الدولية، متمثلة في الفكر الماركسي الشيوعي المنضوي تحت تعاليم مؤسسي الشيوعية العالمية "كارل ماركس" و"فلاديمير لينين" و"فريديريك أنجلز"، وما نتج عن تطبيق تجربتهم في المجتمع المصري من تآكل للشريحة المالكة المصرية، بعد أن أُخذت المصانع والأراضي من يد خمسة أو ستة رأسماليين وسلمتها إلى مائة ألف ونصف لص في مصانع وجمعيات لا علم لهم بالحرفة من الأساس - قاصدا بذلك رؤساء شركات القطاع العام.
كما نعت معتنق الفكر اليساري بالمنفصم دينيا، فحينا يرردون عبارات ماركسية حول مادية الوجود وعدم الاعتراف بوجود العالم الآخر وغيبياته، وحينا آخر يتدعون أن الاشتراكية صورة من صور الإسلام يريدون تطبيقها في المجتمع المصري الذي يزرح تحت وطأة الاحتكار والاستغلال الرأسمالي.
خالد محيي الدين يرد
"أصبحت الماركسية حصان طروادة الذي يركبه الجميع حيلة وخداعا، كما أصبحت كبش الفداء لما يحدث في واقعنا والشماعة التي يعلق عليها أعداء التقدم مآسي الناس".. هذه الكلمات كانت مفتتح رد محيي الدين على الدكتور مصطفى محمود، فيما أورده كتابه من هجوم لا مبرر على الجماعة اليسارية المصرية بقيادة خالد، متهما إياهم بالمسبب الخفي لازدياد الأسعار وزيادة التفاوت في الدخول وسوء استخدام السلطة.
رد خالد حمل صفات عدة من شخص محيي الدين الهادئ الذي يطرح أسئلته دون توجيه أو هجوم لاذع، منتظرا إجابات شافية لما أورده. "بلادنا يا دكتور مازالت تواجه احتلالا أجنبيا وتريد إنهاءه، فمصر تستهلك أكثر مما تنتج ومطلوب أن تقوم مصر بالتعمير والتنمية الاقتصادية، كما أن التفاوت في الأجور يزداد والأسعار في ارتفاع جنوني والأغلبية الساحقة تتدهور معيشتها يوما بعد يوم، أمام ارتفاع الأسعار وأزمات التموين".
فقرة قصيرة أطلقها محيي الدين في وجه مصطفى محمود تسائله كيف يترك كل الأزمات والعقبات التي مرت بها البلاد فتلك الفترة، ويطلق العنان لقلمه يهاجم دون مبرر الحركة اليسارية المصرية، مشبها إياها بالحركة الشيوعية الشرقية التي ما تلبث أن تطأ بقدميها في مجتمع، إلا وسالت الماء به وخرب الاقتصاد وتشتت القوى المجتمعية بين يسار معتدل ويميني متطرف، والتي ارتكنت إلى الأفكار الإلحادية التي نادي بها قائد الفكر الشيوعي "كارل ماركس" بعد أن أعلن صراحة في عبارته الشهيرة "الدين أفيون الشعوب"، الإنكار الكلي للذات الإلهية، مرجعا تشكيل التاريخ المجتمعي والوجود التام للفرد داخل جماعته إلى المادة والآلة وما يجمعه من أموال.
المتصوف المخلص للطريقة النقشبندية الصوفية، يؤكد لمحمود عبر مقاله، على أن اليسارية المصرية، ما هي إلا تطويع شرعي سليم لقيم الحرية والعدالة الاجتماعية التي نادت بها النواميس الإسلامية، أي أنهم يأخذون من الاشتراكية وتعاليمها ما يتناسب مع الدين الإسلامي الحنيف، فهي تسعى إلى تحقيق فهم صحيح للإسلام وتفسير علمي عصري له، تحقيقا لمطال بالعصر من رغبة في تحقيق المآرب التي طمحت لها الثورة الاجتماعية الوطنية في يوليو 1952.
المسلم في عيون اليساري
"رأينا الاشتراكية تلبس ثوبا مسيحيا في أوروبا متمثلة في الحزب الاشتراكي المسيحي، وفي مصر لبست لونا إسلاميا بقيادة سيادتك".. من خلال تلك العبارة يصف مصطفى محمود المسلم المصري "خالد محيي الدين" ودوره السياسي الذي امتد لأكثر من خمسين عاما في كلمات معدودة!، فهو يرى أن محيي الدين قاد عصابة من المغامرين الذين تكالبوا على الصعود لسدة الحكم من خلال الإعلان الرمسي لميلاد حزب التجمع اليساري، والاعتراف التام به من قبل نظام الرئيس السادات،، متهما إياه بالامتداد العربي والمصري للحزب الاشتراكي الألماني بقيادة هتلر، والاشتراكي الفاشي بقيادة موسيليني في إيطاليا.
هذه الكلمات أيضا وجدت صداها في الرد الثاني لمحي الدين والذي حمل عنوان "المسلم كما نراه"، في عبارة قصيرة لخصت فلسفة الحزب وقائده، والتي تسعى لمحاربة الظلم الاجتماعي والسياسي، ضد الفئة المستغلة التي تقف بجوار القوى الرأسمالية العالمية وتستغل الشعوب باسم الإسلام وتعاليمه.
مغلفا حلقة النقاش بقوله : "إن من أثمن خصوصيات الإنسان عقيدته ووطنيته، والناس جميعا عبيد الله وله سبحانه القول الفصل والحكم على عباده، وما يشغلنا الآن هو إتمام التجربة الاشتراكية والديمقراطية، والدفاع عن حرية الرأي ومصالح الجماهير".