«خيانة نبي».. «يهوذا» سلم عيسى عليه السلام لليهود مقابل 30 قطعة فضة
تعتبر قصة «يهوذا الإسخريوطي» واحدة من أشهر قصص الخيانة على مر التاريخ، خاصة أنها ارتبطت بسيدنا عيسى (عليه السلام)، وهو واحد من تلاميذ عيسى (عليه السلام) الاثنى عشر، وبحسب معظم الروايات فإن «يهوذا الإسخريوطي» هو من خان عيسى (عليه السلام) وسلمه لليهود مقابل ثلاثين قطعة فضة.
كان يهوذا بطبيعة الحال يعرف الأماكن التي اعتاد عيسى (عليه السلام) الاختلاء فيها بتلاميذه؛ فدلَّ اليهود على مكانهم في بستان جثسيماني، وبحسب الروايات الإنجيلية فإنه بعد أن قام اليهود بوضع أيديهم على سيدنا عيسى ندم «يهوذا» لأنه سلمه وأعاد الفضة للكهنة، ثم ذهب وشنق نفسه؛ فابتاع رؤساء الكهنة بتلك الفضة حقل الفخارى الذي سمى «حقل الدم»، واتخذوا من هذا الحقل مقبرة للغرباء.
ووفقًا للرواية الإسلامية، فإن «يهوذا الإسخريوطي»، قام بإخبار اليهود بمحل اختفاء السيد المسيح عليه السلام، فهجموا عليه لإلقاء القبض عليه، ولكن الله سبحانه وتعالى رفعه إلى السماء، وجعل محله شخصًا آخر كثير الشبه به، فقبضوا عليه وصلبوه، وهناك رواية أخرى مفادها أن الله (سبحانه وتعالى) جعل «يهوذا» كثير الشبه بالسيد المسيح عليه السلام؛ فقام اليهود بصلبه على أنه السيد المسيح (عليه السلام).
كان يهوذا ملازمًا للسيد المسيح شأنه شأن باقى تلاميذ السيد المسيح (عليه السلام) فلم يحاول مرة من المرات مخالفة عيسى ولم يبد نحوه أي صورة من صور التمرد أو العصيان، بل سعى لسماع كل تعاليمه ورأى كل معجزاته؛ فغمره المسيح بثقته الغالية، وجعله أمينًا على الصندوق الذي تنفق منه جماعته على ضروريات الحياة.
لكن من «يهوذا» وما السر وراء لقب «الإسخريوطي»؟ إنه يهوذا ابن سمعان الإسخريوطي، وهو التلميذ الوحيد من تلاميذ سيدنا عيسى (عليه السلام) الاثنى عشر الذي يرجع أصله لمنطقة يهودية في حين أن باقى تلاميذ عيسى (عليه السلام) يرجع أصلهم لمنطقة الجليل.
حرص أصحاب البشائر على تلقيبه بالإسخريوطى ويعنى ذلك القاتل أو السفاح، وذلك تمييزًا له عن التلميذ الآخر المسمى يهوذا والذي كان اسمه لبّاوس ولقبه تدّاوس. كما حرص أصحاب البشائر أيضًا على أن يذكروا اسمه في نهاية قائمة التلاميذ الاثنى عشر موصوفًا بأنه «الذي خانه».
كانت العلاقة بين الطبقة الدينية اليهودية ممثلة بالفريسيين والصدوقيين والكتبة، وعيسى (عليه السلام) علاقة متوترة، وذلك بسبب انتقاد سيدنا عيسى الدائم لتصرفاتهم وتحويرهم جوهر الشريعة. وقد حاولوا هم أيضًا قتله في الناصرة وكفر ناحوم وتآمروا عليه أكثر من مرة لكنهم فشلوا في ذلك؛ فتزايد خوف رجال الدين اليهودى من تزايد عدد اليهود الذين آمنوا به وبرسالته، وتصاعد خوفهم من أن يكون برنامجه يحوى ثورة سياسية على الإمبراطورية الرومانية ما يؤدى إلى تدمير الحكم الذاتى الذي تمتع به اليهود.
عرف عن الكهنة اليهود في ذلك الوقت أنهم عملاء للرومان، هذا إلى جانب إلغاء رسالة سيدنا عيسى (عليه السلام) لامتيازات وسلطات رجال الدين اليهودي، إلى جانب عدم تقبلهم جوهر رسالته.
واتفق العديد من المؤرخين على أن يهوذا كان من جماعة الزيلوت أو الغيورين، وتعنى العُنُف أي «المؤمنون بالعنف واستخدام القوة» وكانت هذه الفرقة سياسية دينية تدعو اليهود إلى التمرد ضد الحكم الرومانى وإخراجهم من البلاد بقوة السلاح، وهذا يعنى أن يهوذا كان ينتظر شروع المسيح في ثورة مسلحة ضد الرومان، ليعلن من خلالها نهاية الدولة الرومانية.
ويرى معظم هؤلاء الباحثين أن سائر تلاميذ عيسى (عليه السلام) الاثنى عشر كانت لديهم مثل هذه الفكرة الرائجة في المجتمع، ولكنهم عدلوا عنها فيما بعد في حين ظلّ يهوذا متمسكًا بمملكة سياسية لاروحية، ومخلصا بالمعنى الدنيوى لا الدينى للكلمة، ودفعه اليأس من تحقيق أهداف جماعته، إلى تسليم سيده كما سُلم الكثير من الثوار ضد روما والذي اعتقد الشعب اليهودى أنه «المسيح»، ليتبين لاحقًا فشلهم.
وحاول هؤلاء الباحثون وضع إجابة حول التساؤل المتعلق بالسرّ في انقلاب «يهوذا الإسخريوطي» على المسيح (عليه السلام)، ولخصوا السبب في طمع يهوذا في المال وأنه كان يستولى لنفسه خلسة على ما في الصندوق الذي عهد به إليه السيد المسيح.
لكن دعونا نتعرف على تلاميذ عيسى (عليه السلام) الإحدى عشر، الآخرين بعيدًا عن «يهوذا الإسخريوطي»، جاء «أندراوس»، في بداية القائمة وهو صياد من بيت صيدا في الجليل وهو أول رسول دعاه يسوع وكان قبل ذلك تلميذا ليوحنا المعمدان، ثم «سمعان بطرس»، وهو شقيق أندراوس وهو صياد من بيت صيدا في الجليل، ثم «فيلبس»، وهو أيضًا صياد من بيت صيدا في الجليل.
جاء بعد ذلك «يعقوب بن زبدي»، وهو كذلك صياد من بيت صيدا في الجليل، ثم «يوحنا بن زبدي»، وهو الملقب بابن الرعد وشقيق يعقوب، ثم «برثولماوس أو نثنائيل»، و»يعقوب بن حلفى»، و«يهوذا لَبَّاوس» الملقب تَدَّاوس، وهو شقيق يعقوب بن حلفى وذُكر اسمه كيهوذا بن حلفى في بعض آيات الإنجيل وهو ليس يهوذا الإسخريوطى.
ومن بين تلاميذ عيسى (عليه السلام) «متى العشار»، وهو من كفر ناحوم في الجليل وكان عشار يجمع الجباية، و«توما»، الذي كان يقال له التَّوأم أيضًا حيث إن اسمه مشتق من الاسم الآرامى «توماس» الذي يعنى التَّوأم، و«سمعان القانوي» ويلقب أيضًا بسمعان الغيور.
يقال إنه بعد انتحار «يهوذا الإسخريوطي»، الذي خان عيسى (عليه السلام ) وقام بتسليمه لليهود تم اختيار «متياس» ليحل محل «يهوذا» من قبل باقى تلاميذ المسيح.
فوفقًا لبعض الروايات الإنجيلية؛ فقد اقترح سمعان بطرس عليهم اختيار أحد أتباع المسيح الذين آمنوا به منذ بدء دعوته ليكون واحدًا من التلاميذ الاثنى عشر بدلا من يهوذا الإسخريوطي، وهكذا تم انتخاب «متياس» لهذا المنصب.