المساجد الأثرية لا تجد من يحميها.. سرقة 6 مشكاوات من مسجد الرفاعي ومقصورة السلطان الكامل الأيوبي بالإمام الشافعي خلال 3 شهور.. والتأمين تائه بين الأوقاف والآثار
للمرة الثانية خلال 3 شهور تحدث جريمة سرقة آثار إسلامية من المساجد، بعد سرقة مقصورة السلطان الكامل الأيوبي الموجودة داخل قبة الإمام الشافعي بالقرافة الصغرى، حيث تم سرقة الباب الخشبي للمقصورة والذي يبلغ طوله 70 سم، بالإضافة إلى مجموعة من الزخارف الخشبية المعمارية صغيرة الحجم، وكانت 6 مشكاوات قد تعرضت للسرقة من مسجد الرفاعى بداية شهر يناير الماضى، وتبادلت وزارتا الآثار والأوقاف الاتهامات فيما بينهما.
حجم المسروقات
وفور العلم بالواقعة توجه السعيد حلمي، رئيس قطاع الآثار الإسلامية، إلى المنطقة لمعاينة الضريح وتفقد القبة، لبيان حجم المسروقات وحالة الأثر، وقد قام بتحرير محضر بالواقعة وعمل مذكرة وتقرير مفصل رفعه إلى وزير الآثار الدكتور خالد العناني، الذي قام بدوره بإحالة الموضوع برمته إلى النيابة العامة للوقوف على جميع ملابسات السرقة، كما قام بمخاطبة شرطة السياحة والآثار، والتي توجهت على الفور لموقع الحادث.
قبة السلطان كامل الأيوبي
يذكر أنه قد تم بناء قبة السلطان كامل الأيوبي عام 608 هجريا (1211 م)، وذلك تعظيما للإمام الشافعي وتعتبر هذه القبة من أكبر الأضرحة في مصر على الإطلاق ومسجلة في عداد الآثار الإسلامية رقم 251 ويوجد بالضريح أربعة تركيبات خشبية الأولى تخص الإمام الشافعي، والثانية تخص أم السلطان الكامل، والثالثة للسلطان الكامل والرابعة لأسرة عبد الحكم، وهي الأسرة التي استضافت الإمام الشافعي.
وكالعادة تتبادل وزارتا الآثار والأوقاف الاتهامات بشأن تأمين المساجد الأثرية، وتلقي كلا منهما الاتهامات على الأخرى في كل واقعة سرقة تقع بالمساجد، ويظل الخاسر الوحيد في القضية هو الشعب المصري الذي يفقد تاريخه وحضارته.
6 مشكاوات
آخر تلك الأزمات التي بدأت في أول يوم من عام 2017، بعدما اكتشفت وزارة الآثار سرقة 6 مشكاوات أثرية من مسجد الرفاعي، ليكون عامًا حزينًا على الآثار والأثريين، بدأ بسرقة الحضارة وتاريخ الأجداد.
وأكد الدكتور "مصطفى أمين" الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، أنه تم اتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة للتحقيق في واقعة اختفاء ستة مشكاوات من مسجد الرفاعي بميدان القلعة، والتي تبين اختفائها الأحد الماضي.
وأوضح الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، أنه فور إبلاغ وزارة الآثار بالواقعة، أحال الدكتور "خالد العناني" وزير الآثار الأمر للنيابة العامة للوقوف على جميع ملابسات اختفاء المشكاوات.
كما قام بمخاطبة شرطة السياحة والآثار ووزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة باعتبار وزارة الأوقاف هي المسئولة عن قاعات المسجد، للتحقيق واتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة من جانبهما، وأمر وزير الآثار بتشكيل لجنة لحصر جميع المقتنيات والمنقولات الموجودة بالمسجد.
وأضاف "السعيد حلمي" رئيس قطاع الآثار الإسلامية بالوزارة، أنه بعد معاينته للمسجد تبين بالفعل اختفاء ستة مشكاوات من أصل خمسة عشر مشكاة كانت موجودة بحجرة الملك فؤاد والأميرة فريـال.
مشكلة التأمين
وأضاف أن المشكاوات المختفية تعود لعام 1328 هـ، وهى مصنوعة من الزجاج المموه بالمينا عليها رنك باسم الخديو عباس حلمي الثاني وكتابات بخط الثلث المملوكي لآية من سورة النور: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ}.
ومن جانبه قال الأثري "سامح الزهار" المتخصص في الآثار الإسلامية والقبطية، إن هناك مشكلة كبيرة في تأمين الآثار الإسلامية والحفاظ عليها لأن أغلبها تئول ملكيته لوزارة الأوقاف، مما يسبب تداخلًا في المسئوليات والاختصاصات.
وطالب الزهار، أن تكون مسئولية الآثار تابعة تبعية كاملة للجهة الرسمية المشرفة عليها وليس للجهات أو المؤسسات الدينية التي تتعامل مع الأثر من الناحية الدينية فقط، ولا فرق بين أثر ثابت أو منقول إذا كان أثريًا أم حديثًا.
وأوضح أن هذا هو السبب الرئيسي في تدمير وسرقة الآثار الإسلامية في مصر، مشيرًا إلى أن المشكاة تمثل وحدة فنية فريدة كواحدة من أقدم وأهم وسائل الإنارة، وقد حظيت باهتمام فناني وصناع العصر الإسلامي.
كما طالب الزهار بضرورة أن تقوم وزارة الأوقاف على الفور بتسليم كافة المساجد والمباني الأثرية إلى وزارة الآثار، لإيقاف تلك الكوارث التي تتكرر بصفة مستمرة.
وناشد الحكومة باتخاذ كافة الإجراءات والتدابير اللازمة للحيلولة دون وقوع أية كوارث تاريخية أثرية من هذا النوع، كما أنه يجب على الفور توزيع صور وبيانات تلك المشكاوات على جميع المنافذ، حيث إنه في أغلب الأحيان يتم تهريب الآثار عبر المنافذ المختلفة سواء كانت برية أو بحرية أو جوية.
واستعرض أبرز السرقات التي حدثت على مدى السنوات الماضية للآثار الإسلامية، بسبب تداخل الاختصاصات، ومنها سرقة "النص التأسيسي" من المنبر الخشبي لمسجد "تمراز الأحمدي"، وسرقة النص التأسيسي ليوان السادات الثعالبة التابع لمنطقة الإمام الشافعي.
بالإضافة إلى سرقة الحشوات المكفتة بالفضة من باب مسجد السلطان برقوق بشارع المعز، وسرقة أجزاء من الباب الخشبي لمسجد الأشرف برسباي الأثري بمنطقة الجمالية، وسرقة لحشوات منبر مسجد السلطان الأشرف قايتباي بصحراء المماليك وسرقة حشوات جانبي منبر مسجد الطنبغا المارداني، وسرقة بعض حشوات منبر مسجد أبو حريبة.
وكذا سرقة العديد من حشوات مسجد المؤيد شيخ، والتي تكررت نحو 3 مرات، وسرقة حشوات بابي الروضة من منبر مسجد أزبك اليوسفي، واختفاء منبر مسجد قايتباي الرماح، وسرقة حشوات وزخارف الأطباق النجمية المكونة للمنبر وكرسي المصحف من مسجد جانم البهلوان بالمغربلين بمنطقة الدرب الأحمر.
ومن جانبه أكد جمال الهواري مدير عام منطقة آثار السلطان حسن والرفاعي، أن مسئولية الغرفة التي كانت بها المشكاوات المسروقة من مسجد الرفاعى تقع على عاتق وزارة الأوقاف ومفاتيحها في حوزة موظفيها، ومفتشو آثار المنطقة يمرون عليها من الخارج في أوقات العمل.
وأوضح أن مفتشي الآثار اكتشفوا سرقة المشكاوات يوم الأحد الماضي بعدما لاحظوا أن الباب مفتوح دون أي كسر للأقفال، ما يعني أنه فتح بمفتاحه، ودخلوا الحجرة لأن فتح الباب أثار شكوكهم فوجدوا أن 6 مشكاوات من 15 مشكاة أثرية غير موجودة.
لجنة عليا
وقال "السعيد حلمي" رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية، إنه تم تشكيل لجنة عليا مشكلة من وزارة الآثار والأوقاف لمناقشة وضع المساجد الأثرية، وما يقع تحت يد وزارة الأوقاف من قباب ورباع.
وأشار إلى أن المادة 30 من قانون الآثار غلّت يد وزارة الآثار بالنسبة لترميم وتطوير المساجد الأثرية، وأصبح دور الآثار مقصورًا على وضع المقايسات التثمينية لأعمال الترميم فقط، وفي مجال التأمين فالأجهزة الأمنية والرقابية هي المنوط بها تأمين هذه المنشآت التراثية.
إدارة جديدة
وأكد أنه تم استحداث إدارة جديدة داخل وزارة الأوقاف تسمى التوثيق الأثري، لحصر وتسجيل المقتنيات والمنقولات الأثرية داخل المساجد، وتم توقيع بروتوكول مع وزارة الأوقاف لتوعية أئمة المساجد والعاملين بها لتوعيتهم بأهمية المنقولات الأثرية، وإخبارهم أن هذه المنقولات مستهدفة من عصابات دولية لسرقة الهوية المصرية.
وأضاف حلمي، في تصريحات خاصة لـ"فيتو"، أن سرقة مقتنيات المساجد الأثرية مسئولية وزارة الأوقاف بموجب القرار رقم 2014 لسنة 2008 الذي أصدره الدكتور "محمود حمدي زقزوق"، الذي أكد فيه أن حماية هذه المنقولات مسئولية وزارة الأوقاف.
ويقتصر دور وزارة الآثار على الإشراف فقط، ولم يعلم مسئولو وزارة الأوقاف عدد المقتنيات الأثرية في المساجد لذلك تم تشكيل لجنة لحصرها وتسجيلها بأوصافها.
دلائل السرقة
وأوضح حلمي أن هناك عملية منظمة وممنهجة لسرقة القطع الأثرية، بدليل سرقة أشياء من العصر الأيوبي والعصر المملوكي والعصر العثماني، وهذه المقتنيات عاشت مئات السنوات وسط تجمعات المواطنين، وذلك لسعي بعض الدول لإيجاد تاريخ لها حتى ولو كان مزيفًا.
وأكد أن هذه الدول تنشئ متاحف لها وتسرق الهوية المصرية، وكان غالبها بالتزامن مع ثورات الربيع العربي وتدمير الحضارات والتراث في بعض الدول العربية مثل العراق وسوريا واليمن وليبيا، ونحاول تجنب ذلك بالتوثيق الدقيق للمقتنيات الأثرية، وهناك تسجيل إلكتروني إلى جانب السجلات الورقية.
وأوضح أن عدد الآثار الإسلامية المسجلة على مستوى الجمهورية 1030 أثرًا فقط، منها نحو 500 مسجد أثري تستغله وزارة الأوقاف، وهناك آلاف المنشآت الأثرية غير المسجلة إلى جانب آثار العصر الحديث، التي تتبع جهاز التنسيق الحضاري ووحدة المباني ذات الطراز المعماري المميز.
وقال رئيس قطاع الآثار الإسلامية: إنه تبين من التحقيقات أن الطاقم الذي قام بتوريد مستلزمات التصوير الخاصة بفيلم سينمائي «الكنز» كان يتم تصويره داخل المسجد، هم من قاموا بسرقة الست مشكاوات ووضع واحدة مقلدة بدلًا منها.
القبض على الجناة
وأضاف حلمي، أنه بعد التوصل للجناة قامت شرطة السياحة والآثار بالقبض عليهم، وإبلاغ وزارة الآثار، والتي قامت بدورها على الفور بتشكيل لجنة أثرية برئاسته، وعضوية الأثرية منى أحمد مدير الترميم ومتخصص الزجاج بمتحف الفن الإسلامي لفحص المشكاوات المضبوطة، حيث أكدت اللجنة أنها المشكاوات الأصلية المسروقة، وأنها في حالة جيدة من الحفظ.
هذا وتجدر الإشارة إلى أن المشكاوات تعود لعام 1328هـ/ 1911م، وهي مصنوعة من الزجاج المموه بالمينا، عليها رنك باسم الخديو عباس حلمي الثاني وكتابات بخط الثلث المملوكي لآية من سورة النور"الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح".
وعرضت لجنة من قطاع الآثار الإسلامية والقبطية بوزارة الآثار، الستة مشكاوات، التي استعادتها الإدارة العامة لشرطة السياحة والآثار، أمس الثلاثاء، بعد سرقتها من مسجد الرفاعي، قبل ما يقرب من شهر، بالمتحف المصري بالتحرير، ضمن فعاليات المعرض المؤقت، المقرر إقامته بالمتحف غدا، تحت عنوان «مصر مهد الأديان».
وكانت وزارة الآثار، قد تسلمت المشكاوات الست، الخاصة بمسجد الرفاعي، من مقر شرطة السياحة والآثار التي نجحت في القبض على سارقيها.