رئيس التحرير
عصام كامل

معركة العمالة!


كان اتهام شخص أو حزب بالعمالة لدولة أجنبية زمان يدهشني.. فمثل هذه التهمة لا تلقى جزافا ولابد لها من أدلة، وحين تتوفر الأدلة تنتقل لتكون قضية تخابر وهذه عقوبتها طبعا كبيرة..


كان الاتهام يدهشني ولا أتوقف عنده كثيرا وربما أهز رأسي ممتعضا لأنه ينتهي إلى لا شيء.. زمان في يناير عام 1959 تم اعتقال 25 ألف مثقف ومواطن مصري بتهمة الشيوعية والعمالة للاتحاد السوفييتي في الوقت الذي كان الاتحاد السوفييتي هو حليف النظام الذي يمده بالسلاح ويقيم له مشروعا كالسد العالي.. مثلا.. كان الخلاف بين عبد الناصر والشيوعيين على أشياء أخرى أقلها عدم اقتناعهم بمسألة القومية خاصة أنها مقرونة بالديكتاتورية. 

تصالح الشيوعيون مع عبد الناصر بعد خمس سنوات من الاعتقالات وبعد أن حلوا أحزابهم السرية لكن ظل الأمر على نطاق بسيط.. لم يتوقف الأمر وظلت الاعتقالات كل عام بنفس التهمة في عهد السادات الذي عاد الشيوعيون إلى معارضته وتكوين أحزابهم السرية من جديد.. كان السادات هو رجل أمريكا في المنطقة فلقد صار أحد أركان الصراع في الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفييتي.. ففي مصر في عهده كان تدريب المقاتلين وإرسالهم إلى أفغانستان في الحرب ضد الاحتلال السوفييتي.. هؤلاء الذين عادوا بعد ذلك وملأوا العالم بالإرهاب.

المهم أنه في كل الأحوال لم تثبت تهمة واحدة على أحد بالعمالة للاتحاد السوفييتي، لا في عهده ولا عهد عبد الناصر لكن لم تتوقف الاعتقالات. صارت تهمة العمالة باهتة وتثير الدهشة ثم الاستياء والسخرية.. استمر الأمر مع حسني مبارك لسنوات قليلة لأن الحرب مع الإرهاب كانت أقوي من الحرب مع اليسار الذي تعب وتفرق.. تقريبا لم نعد نسمع كلمة العمالة لأحد بعينه لكن صارت العمالة إلى جهات أجنبية ! وعلي خطي السادات صار النظام حليفا كبيرا لأمريكا في المنطقة وزاد عليها التحالف مع إسرائيل بعد أن استقرت معاهدة السلام.

انتهى الاتحاد السوفييتي ولم تعد تهمة العمالة له لها معني.. قامت ثورة يناير وسقط رأس نظام مبارك ولم يسقط النظام واستطاع الإخوان الوصول إلى الحكم بمساعدة الثورة والمجلس العسكري الأسبق وأمريكا التي رأت فيهم بديلا جديدا أكثر تنظيما من الثورة وشبابها وحلا وسطيا كما يقال لمشكلات الإرهاب المتطرف في العالم.. وهو طبعا حل غبي فهي لم تتعظ من إنتاجها لــ"بن لادن" في حربها الباردة مع الاتحاد السوفييتي وانقلابه عليها في النهاية.

المهم احتل الإخوان محل النظام القديم مع أمريكا وإسرائيل بل زادوا في تدليل إسرائيل في الوقت الذي وجهوا اتهاماتهم للثورة وشبابها بأنها مؤامرة أمريكية! أزاحت الثورة الإخوان بسرعة وعاد النظام القديم الذي كان يترقب وبدأت أكبر حملة تشويه للثورة بأنها أمريكية الصنع.

وهكذا صار أصدقاء أمريكا، النظام القديم والإخوان يوجهان معا الاتهام للثورة بأنها أمريكية. وبعد تصريح وزير الخارجية بأن العلاقة مع أمريكا علاقة زواج أعلن الإخوان جمعة الطلاق من أمريكا!

رغم ضيقي مما قاله الوزير وسخافة القول إلا أن الأمر مضحك. المتزوجون من أمريكا عمليا يتبادلون الاتهام بالعمالة، ويتفقون على اتهام البريء الذي لم يصل إلى الحكم لنرى حجم عمالته ! أو نوع زواجه !
Ibrahim abdelmeguid@hotmail.com
الجريدة الرسمية