رئيس التحرير
عصام كامل

حدود حرية الرأى


كنت أعد ورقة لمنتدى الاتصال الحكومى، الذى تنظمه حكومة الشارقة برعاية الحاكم الدكتور الشيخ سلطان بن محمد القاسمى، ووجدت أن مادة كثيرة اخترتها تتناول قضايا مثارة باستمرار فى بريد قراء «الحياة»، فرأيت أن أنقل بعض الأفكار لعلها تفيد فى التفريق بين معلومات يجب أن تكون صحيحة لتستحق النشر ورأى هو حق لصاحبه.

أختار اليوم نموذجاً على ما أعترض عليه فى رسائل القراء، فعلى مدى سنوات لا أذكر أننى انتقدت أى تعليق للقارئ أيمن دالاتى على ما أكتب، سواء كتب مؤيداً أو معارضاً. إلا أننى لاحظت فى الأشهر الأخيرة أن التوفيق بدأ يجانبه وأخذ يستعمل عبارات نابية لا تليق به.
كتبت فى آخر مقال لى عن زعم «فوكس نيوز»، اكتشاف نفط فى اليمن أكثر من مخزون السعودية وبدا أن جليسى الصديق أبوبكر القربى، وزير خارجية اليمن لا يصدق هذا الكلام، كما لا أصدقه أنا فوعدت القارئ إذا أُعطيت حصة كالوست غولبنكيان من نفط اليمن، أن نقبر الفقر سوياً.
كان كلامى مجرد هذر عن شىء غير موجود، فإذا بالأخ أيمن يقول: احذف من تعليقى خاتمة المقال، إذ فيها من المال ما يشد الكاتب ولا يشد القارئ.
وهو يلجأ إلى التأويل إذا ناسبه، فيتحدث عن أسلوب التقية فى قولى إن «غالبية اليهود ضد جرائم إسرائيل». وأنا لا أقول هذا وإنما أقول إن غالبية اليهود لا علاقة لهم بجرائم إسرائيل، فلا أقول إنهم ضدها وإنما اقول إنهم لم يشاركوا فى ارتكابها. وهذا ليس تقية أبداً، وإنما للبقاء ضمن حدود القانون البريطانى الذى أعرفه جيداً، وهى معرفة جعلتنى أكسب القضايا التى خضتها.
أعتقد أن سبب تغير لهجة الأخ أيمن من الموضوعية والتهذيب إلى غير ذلك، أنه يؤيد النظام الجديد فى مصر والثورات عموماً. هذا رأى وحق له، إلا أنه لا يناقش المعلومات فى ما أكتب، وأكتفى بأهم نقطتين: الاقتصاد الذى شكا المصريون منه أيام حسنى مبارك سقط أيام الإخوان، والفلتان الأمنى مستمر وزادت الجرائم.
هاتان معلومتان صحيحتان مئة فى المئة، ومن ينفيهما يدين نفسه، ويقول إنه يقدم الولاء للجماعة على الولاء لمصر. ولا أقبل أن النظام الجديد سيحل هذه المشكلة أو تلك. هذا فى علم الغيب، وأنا أتحدث عما هو موجود.
ثم إننى أتحدى القراء جميعاً، خصوصاً من المعارضة السورية، أن يأتوا لى بكلمة واحدة فى مدح الدكتور بشار الأسد. كل ما بينى وبينه مقابلات صحافية وسؤال وجواب، فهو يصنع الأخبار وأنا أنقل هذه الأخبار إلى القارئ.
قلت مرة إن الملك عبدالله بن عبدالعزيز «بطل»، وهى كلمة لم أستعملها فى وصف أى مسئول عربى آخر، ميت أو حى، بعد أن هدد إدارة جورج بوش الابن بأن ينأى بالسياسة السعودية عن السياسة الأميركية، ورد عليه الرئيس الأميركى مقترحاً مشروع الدولتين، وهو السياسة الأميركية الوحيدة حتى الآن فى عملية السلام.
ومدحت حسنى مبارك مرة واحدة لشىء لم يفعله، فقد اعتدى شباب من حزب التحرير على وزير خارجية مصر فى حينه أحمد ماهر داخل المسجد الأقصى، واعتبرت ذلك إهانة لشعب مصر، فكان التعليق، وبما أننى أعرف مبارك من سنة 1983 وحتى سقوطه، فكل ما بينى وبينه مقابلات صحافية وسؤال وجواب، ولا رأى لى فيه إطلاقاً، سلباً أو إيجاباً.
ثم هناك مشكلة الفقر عند قراء التزموا فريقاً واحداً إلى درجة عمى البصيرة، إن لم يكن البصر. الفقر هذا أجده فى النفوس قبل غيرها، فأنا لا أبدى رأياً معارضاً لالتزام القارئ حتى يتهمنى بالقبض والجلوس على موائد الملوك والرؤساء.
هؤلاء يصنعون الأخبار، وأسجل هنا أننى ضد المعارضة فى الكويت والبحرين، وضد النظام والمعارضة فى سورية، وضد النظام فى مصر، وضده فى العراق. ثم أسأل هل كنت أجرؤ على الجهر بذلك لو كانت لى مصالح وتجارة وحسابات مرقمة فى سويسرا.
ليس عندى شىء غير مرتبى، وهو عالٍ وكافٍ، ويعطينى الحرية لقول ما أريد، وهو حرية مصونة فى «الحياة» للجميع، وأتجاوز نفسى لأطرح قفاز التحدى وأقول إنه لا يجرؤ أحد فى العالم كله على فرض رأى على جريدتنا أو حجب رأى. الناشر هو ضمان حريتها، وأحيى الصحف العربية كلها وأحترمها، ثم أقول إن جرائدنا تتنافس على الانتشار والنفوذ، غير أن «الحياة» هى الأولى فى الصدقية.
نقلا عن الحياة اللندنية
الجريدة الرسمية