رئيس التحرير
عصام كامل

طريقة الست غالية لمحاربة الإرهاب


بينما يخوض الجيش المصري والشرطة حربا "ضروس" ضد قوى الشر والتطرف والإرهاب، يدفع فيها ثمنا غاليا من أرواح شهدائنا الجنود.. إلا أن هذا ليس كافيا لوقف الإرهاب والقضاء على عناصره، طالما اعتمدنا فقط على استخدام القوة.. فمهما بذلت الجهود لقتل كل إرهابي يبقي الجهد الإعلامي في التصدي له وتحدي أفكاره هو الأهم والأسرع حتى لا يصنع لنا هذا الفكر بديلا جديدا من الإرهابيين وحتى لا يؤثر على طوائف الجماهير التي لم تحدد على أي جانب تقف، وقد يسول لها أن تندفع على أي طريق طالما لم يستجاب لمطالبها الأساسية من راحة العيش والعدالة الاجتماعية.. إن معركة العقول والقلوب هي الأولى بالتحريك الآن، تماما كما فعلناها في حربنا الأولى ضد إرهاب الثمانينيات..


وكم انتهجتها قناة 25 التي أنشأتها فور تخلي الرئيس مبارك عن السلطة.. وهو في المقام الأول.. بأن ندفع المصريين المهمشين وأصحاب الحق الأول في العيش بكرامة إلى الإحساس أنهم جزء يعول عليه أساسا في إيجاد الحلول، من خلال مبدأ المواطنة والإدراك لدورهم وإظهار الثقة بهم والعناية بمشاركتهم لما يدور في البلاد.. وهو ما يقوي شعورهم بالانتماء ويجعل من المواطنين بؤرة الاهتمام، ويحثهم على القيام بدور فاعل من أجل محاربة الإرهاب ومن أجل حياة أفضل وعدم تركهم لشعور عدم الاهتمام الذي لا ينتج عنه سوي روح اللا مبالاة على الأقل، والدعم المعنوي للتطرف على الأكثر.

إن المصريين لن ينسوا أو يتخلوا عن ثورة يناير ولن يتراجعوا عن أهدافها الأولى من سلمية وحرية وعدالة اجتماعية، ولن تسحق نماذجها وأشخاصها، ومن يفكر في هذا إنما في الحقيقة يكافئ الإرهاب ويهيئ له البيئة النموذجية للانتشار وستبقي الثورة حتى بعد انقراض المتخاصمين.. إن غلطة جميع الحكومات التي أتت على مصر قبل وأثناء وخلال ثورة 25 يناير 2011 أنهم لم يعتمدوا "ملح الأرض" من المصريين البسطاء، ولم يعملوا معهم وبهم لإيجاد الحلول للمشاكل، ولم يخرجوا صوتهم بالشكل الكافي ليكون هو وحده الطريق والمنار لنصل إلى حلول.. باستثناء ما حدث في 30 يونيو حين أتيح للشعب أن يخرج للتعبير عن رفض التطرف المتمثل في حكم الفئة الضالة من قيادات الإخوان المسلمين.

وعبر الشعب عن كيف يتحد أبناء الوطن في الدفاع عن أمنه ومقدراته، وما أن تحقق هذا حتى عاد الإعلام إلى التشكيك وعدم إعطاء الأمل وهو الذي يصنع المستقبل، وليس بالتأكيد بث الرعب في النفوس أو إطلاق التهديدات أو حتى التهميش.. إن كل محاولة من الحكومة لإخفاء للحقائق أو عدم مواجهة المشاكل، وكل عودة لاستخدام العنف من قبل الشرطة ضد المواطنين..

إن كل فم جوعان.. وكل محاولة لكتم صوت المعارضة السياسية، وكل تخوين واستهتار بالشباب وكل تعطيل في ممارسة القضاء لدوره، وكل استخدام سيئ للإعلام مثل إذاعة تسجيلات أو قذف الاتهامات أو عدم تحري الحقائق، أو استهداف الصحفيين والمؤسسات الصحفية المحلية أو العالمية، لهو في الواقع إطالة في عمر المعركة ضد الإرهاب وتعضيد له أخطر من حصوله على أسلحة فتاكة تهرب له عبر الحدود.

أن أغلب ما يطلق عليه صحافة الآن في مصر الآن هو في الواقع تشكيك وتخوين وإهدار للحرفية، جعلت من الصعب على المصريين تصديقه، خاصة أن من يقدم لهم هذا لا يشبهون أو يمثلون أو يستطيعون الاقتراب من عامة المصريين فنري منهم القبيح والساقطة والمتحلاة بفصوص الألماظ.. يتكلمون ويتفلسفون وكأن الوطن بلا عمال ولا فلاحون ولا شباب.. إن مشاكل المصريين لن تحل فقط بزعيم قوي أو بشرطة حازمة ولكن بإشراك المصريين وتحفيز الكل وبالذات المبعدين وأصحاب القضايا الخاصة بحقوق الإنسان والقوي المدنية.

خلال فترة الانتخابات الحالية على الإعلام أن يبدأ في بث برامج الوعي الحقوقي بدون تحيز وينشر ثقافة الديمقراطية وتوخي الحيادية المسئولة بدون استعراض للحرفية ولا المغالاة والتبذير.. ويقدم البرامج التي تعتز بحق المرأة وتحمل المسئولية الاجتماعية وتقديم برامج عن الشرطة تدفع المواطن إلى الثقة بها ولا ترفع عن الشرطة شرطية التمسك بحقوق الإنسان.

وعلي الإعلام الآن أن يعمل على بناء جسور الثقة بين المصريين وبعضهم وبينهم وبين العالم العربي والخارجي.. إن ما يجب تقديمه الآن هو الأقرب إلى المصريين شكلا وقبولا لروحه السمحة والتعايش السلمي بين أفراده.. وأن تتاح الفرصة ليأتوا بالحلول.. يسمح لهم أن يمدوا أيديهم بالخير لباقي المصريين والعرب وأن يوثق في قدراتهم على أدائهم لأعمالهم البسيطة من زراعة وعمل بدلا من الانتظار لقوي كبيرة وأحداث جسام حتى تأخذ بأيديهم.

- عندما بدأت قناة 25 بمجموعة من الشباب المتشوقين للحقيقة بلا حد، أختيروا بعناية من وسط الحراك الشعبي الراغب في التغيير.. وبدأنا بنشرة صادقة ومجموعة من البرامج تقف بجوار الجماهير ومطالبها المشروعة.. منها ولها فعلي صوتها بالمطالب ورد الحقوق.. دون الإهدار والتشفي وبرع الشباب باعدين عن أنفسهم المتسترين بالفساد أو أصحاب المصالح الضيقة أو ناهبي عقود الإعلانات، أو من تعود على تلقى الدولار البترولي.. متسلحين بقدرة ذهنية ومصداقية وصوت يقترب ويصدر من قلب الشارع والميدان وشخصياتهم البسيطة الشامخة.. مثل الست غالية.. التي تؤمن وتعمل.

إلا أن من بعدنا عنهم ما زالوا يحملون معاول الهدم وتقنين الظلم والفتك بالأحلام في محاولة لإبعاد الشعب عن الإمساك بهمومه وهموم الوطن.. وأولها الإرهاب، الذي إذا لم نقابله بالغضب المطلوب ضاع منا ما نملك.


الجريدة الرسمية