رئيس التحرير
عصام كامل

«الشائعات».. التحدي الأكبر أمام «مصر الجديدة»


عبثت الشائعات بالمجتمع المصري في الفترة الأخيرة، حيث أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في نشر أية إشاعة صغيرة بسرعة كبيرة، نحن نواجه مرضا يسمي بـ«السبق»، وكم من خبر تسابق به متسرّع بوصفه سبقًا، وتكتشف المصادر الحقيقية له أنه عارٍ من الصحة.


تذهب بنا هذه الشائعات لتفجر أزمات متلاحقة، تزودنا بما هو فوق طاقتنا من الارتباك والقلق، تزرع في العقول البسيطة بذورًا للخوف المفاجئ والانسحاب من كل شيء، وتقع في أذهان ليست مؤسسة بالثبات والقراءة الدقيقة والتحليل المنطقي، فتنشغل بها وترى نفسها معها آية في الثقافة وعالمة بمستجدات الأحداث.

عندما تقذف الأخبار والأرقام والتحذيرات والمخاوف في مواقع التواصل المختلفة، ليتلقاها من يعيش على الإشاعة وسماسرة الأخبار الكاذبة، ليوظفها من منظوره الخاص لتحقيق منفعة وهدف يخدم معتقداته.

تأتيك كل يوم عبر مواقع التواصل الاجتماعى عشرات من الرسائل وكل منا يتلقاها طبقا لمفهومه ومعتقداته ليعاد نشرها بثوب آخر على المجتمع ثم يتلقاها الآخر ونفس الشيء حتى تفقد المعلومة رونقها وتروج الشائعات ويتم تضليل المجتمع. الإشاعة في مصر تهدد المجتمع ولها آثار نفسية واقتصادية واجتماعية وثقافية.

المجتمع الذي يؤسس معرفته وعلمه وحصيلته اليومية المحلية من بوابة الشائعات مجتمع لا يعوَّل عليه، بل هو سهل الاختراق ويكون دائمًا ضحية لسماسرة هذه الشائعات لاستخدامها وإعادة تدويرها لإشغال مجتمعنا، وللأسف يساهم هذا المجتمع في النشر والتوزيع والترويج والحقن لمجتمع يئن من كثرة مشاكله.

لماذا لا نبدأ من اليوم في استبعاد من ينشر أية إشاعة، ونغلق الطريق على من يرسم لمخططات نشرها. أي عاقل يجب أن يتحمل المسئولية الكاملة لوقف أية إشاعة عند حدها، ويكون كل منا مانعًا لعبور أي معلومة يجدها لا تتطابق مع التحليل المنطقي وليس لها مصدر موثوق به.

أصبحت الشائعات تهدد أمن ومستقبل هذا الوطن، ويجب أن يتكاتف الجميع في التصدي لها، ليتم مسائلة وفضح من يقف وراءها.بما لا يؤثر على حرية الإعلام وتداول المعلومات، وهذه هي المعادلة الصعبة، لذا يجب التوازن في معالجة المشكلة، والسؤال الأهم ورغم تورط العديد من القنوات الفضائية وبعض الصحف والمواقع الإلكترونية في ترويج بعض الشائعات والأكاذيب، نجد على الجانب الآخر تعطيل القوانين التي تحد من انتشار الشائعات وتعطيل أي تحرك لإصدار مواثيق شرف العمل الإعلامي، ويجب أن نعترف أن أعداء الاستقرار في مصر نجحوا بعض الشيء في اختراق أجهزة إعلامية كبيرة في بث الأكاذيب على الشعب المصري.

نحن نعيش الآن حالة من الفوضى في تداول المعلومات إلى أن وصلنا أن نصف تصريحات المسئولين تم تخصيصها لنفي شائعات يتم تداولها بين الناس.

ولمواجهة الشائعات يجب العمل على تصنيفها، حيث نجد شائعات سياسية وأخرى اقتصادية وأخرى اجتماعية وأخرى ثقافية وللأسف هناك أيضًا شائعات دينية. يجب معرفة أنواع هذه الشائعات للتعامل مع كل نوع على حدة، نظرًا لاختلاف الأسباب والدوافع والنوايا لكل شائعة، فهناك شائعات تستهدف إثارة القلق والرعب في نفوس المصريين، هذا النوع من الشائعات له مواجهة تختلف مثلًا شائعات أخرى تهدف إلى زرع الفتنة بين المصريين، نتيجة تناحر سياسي أو ديني أو مذهبي، وبالتأكيد يختلف الأمر شكلًا وموضوعًا عندما نواجه شائعات انتخابية مليئة بالخيالات والأوهام نتيجة الحصول على منصب لترفع سقف التوقعات والأحلام في شعب انتظر كثيرًا من ينقذ ثورته.

ويجب أن يسترجع الجميع قول الله تعالى: وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ.

نحن أمام كارثة بكل المقاييس إذا لم نتمكن من معالجة فورية للحد من انتشار هذا المرض لكى نحصن هذا الشعب العظيم من آفات الشائعات.
الجريدة الرسمية