الجهادي الليبي «عبدالكريم بلحاج» من مقاتل في أفغانستان إلى ذراع أمريكا وقطر"المسلح" في ليبيا.. صاحب الفكر التكفير يقبل بالتوافقات السياسية ويتعهد بحماية الديمقراطية.. ورجل الدوحة يحلم بصعود
في تطور غريب للفكر التكفيري الجهادي الذي يعتنقه دعا عبدالحكيم بلحاج رئيس حزب الوطن الليبي، إلى التصدي لمن يحملون أفكارًا متطرفة ومتزمتة تقصي الآخر، وتعيد منظومة الاستبداد.
وأكد استعداد حزبه لحمل السلاح لحماية قيم ومبادئ ثورة 17 فبراير، وقال بلحاج، في حوار مع موقع "الجزيرة نت": "إن التوافقات بين الأطراف السياسية التي وقعت في تونس يمكن أن يستأنس بها الليبيون للخروج من أزمة المرحلة الانتقالية الحالية والتجاذبات السياسية السائدة".
السلاح والديمقراطية
وشدد بلحاج على أن صندوق الاقتراع هو الفيصل في حل الخلافات السياسية بين الليبيّين، مؤكّدًا أن حزبه رضي بهذه الآلية وسيحترم نتائجها مهما كانت حتى وإن انتصر حزب شيوعي.
وبالتأكيد فإن هذه التصريحات التي تأتي من القائد السابق للجماعة الإسلامية المقاتلة أثارت اندهاش المراقبين، فبلحاج الذي قاتل السوفييت في أفغانستان، ثم عاد في منتصف التسعينات لمقاتلة نظام العقيد الليبى السابق معمر القذافي لا يمكن بسهولة أن يندمج في الديمقراطية، حتى بعد المراجعات التي قامت بها الجماعة في السجن، وانتهت بإصدار كتاب "دراسات تصحيحية في مفاهيم الجهاد والحسبة والحكم على الناس"، وهي المراجعة التي أفضت إلى خروج الجماعة من السجن.
ولكن لا يعني ذلك اقتناعها بالديمقراطية، خاصة أن نظام القذافي له رأي سلبي في الديمقراطية الغربية.
مراجعة فكر بلحاج
هذه النقلة النوعية في فكر بلحاج إذا استبعدنا أنها مجرد مناورة سياسية سيرحب بها الغالبية من الليبيين، خاصة أن الظروف التي ولدت فيها الجماعة الإسلامية المقاتلة كانت استثنائية، منذ أن أسسها عوض الزواوي في طرابلس في منتصف الثمانينات، ثم انضم له مفتاح الدوادي وعبدالحكيم بلحاج وخالد الشريف وسامي الساعدي، وقبل أن تجد قبولًا بين شباب شرق ليبيا، ففي ذلك الوقت كانت ليبيا تعيش تحت نظام غريب الأطوار يشبه إلى حد كبير نظام كوريا الشمالية اليوم.
ومع ذلك، فالجماعة عندما انتقلت إلى أفغانستان فضلت البقاء في معسكر الفلسطيني عبدالله عزام، الذي يعارض فكر جماعة "الجهاد المصرية" بقيادة أيمن الظواهري قبل تأسيس تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن، وبعد تحرير أفغانستان من السوفييت، رفضت الجماعة الإسلامية المقاتلة الانخراط في قتال أمريكا، وفضلت العودة إلى ليبيا لمقاتلة القذافي، وحتى عندما اعتقلت القوات الأمريكية قادتها مثل سامي الساعدي وخالد الشريف لم ترسلهما إلى معتقل غوانتانامو، وإنما سلمتهما إلى نظام القذافي، وهو ما فعلته المخابرات البريطانية مع عبدالحكيم بلحاج.
صفقة مع رجال القذافى
لم يكتف عبدالحكيم بلحاج بالقبول بالديمقراطية وصندوق الاقتراع مهما كانت النتائج، حتى ولو نجح الحزب الشيوعي على حد قوله، وإنما بارك التوافقات السياسية بين الأطراف الليبية في تونس، وهو ما يعني أنه مستعد للعمل مع جزء من النظام السابق لم تتلوث أيديه بالدماء.
وعلى الرغم من اتهام بعض وسائل الإعلام التونسية لعبدالحكيم بلحاج بالتخطيط لاغتيال قياديين يساريين في تونس، إلا أن هذه الاتهامات تنفخ في نار المعركة المستعرة بين اليساريين والإسلاميين في تونس، ولم يقدم أحد أي دليل على تورط بلحاج، ولكن السؤال المهم هو لماذا أعلن بلحاج عن استعداده لحمل السلاح لمقاتلة تنظيم القاعدة في ليبيا، في الوقت الذي تستعد فيه أمريكا وقوى غربية لتوجيه ضربات جوية لمعسكرات القاعدة؟ خاصة أن بلحاج حضر اللقاء مع سفيرة الولايات المتحدة في ليبيا ديبورا جونز، الذي ضم عددًا من رؤساء الأحزاب الليبية، وهل يوافق رفاق بلحاج على تصريحاته خاصة القياديين منهم مثل خالد الشريف وكيل وزارة الدفاع وسامي الساعدي؟ أم أن حسابات بلحاج الإقليمية والدولية تختلف؟ إذا أخذنا في الاعتبار تمسك الولايات المتحدة حتى الآن بجماعة الإخوان المسلمين، وهو ما أدى إلى فتور العلاقة بينها وبين مصر بعد إسقاط حكم محمد مرسي.
رجل "الدوحة" في ليبيا
كما أن لبلحاج علاقة وطيدة مع قطر لم ينفها على الإطلاق، وهي التي تدعم الإسلاميين على الرغم من تدهور علاقاتها مع ثلاث دول خليجية، ويرى بعض المراقبين أن قطر لن توقف دعمها للإسلاميين خاصة المعتدلين، إلا إذا غيّرت الولايات المتحدة موقفها من الإسلاميين، ويرى بعض المراقبين أن هذه القوى تحاول إعادة تأهيل بلحاج ليقوم بمزيد من الأدوار في المستقبل، خاصة إذا تطلب استخدام القوة للقضاء على تنظيم القاعدة في ليبيا.
وفي تجارب سابقة حدث أن انتقل قادة متطرفون خاصة من أقصى اليسار مثل الثورة الطلابية في أوربا، وحتى جماعة بادر ماينهوف، والمنظمات اليسارية الفلسطينية، إلا أن التنظيمات الإسلامية ظلت رافضة الديمقراطية شكلًا ومضمونًا، وحتى التي قبلت بها رأت أنها مجرد جسر إلى السلطة، ثم تعلن قيام الدولة الدينية، فهل تبدل عبدالحكيم بلحاج كليًا، أم بات يحلم بصعود هرم السلطة.