رئيس التحرير
عصام كامل

تحجيم الطعن في عقود الدولة!


يعني هو لا ينفع الحفاظ على استقرار العقود الإدارية وما ينتج عنها من روابط عقدية عديدة إلا في غيبة القضاء! ولا ينفع التوازن بين اعتبارات حماية المال العام وحماية أصحاب الحقوق الشخصية والعينية التي تتعلق بمحل التعاقد إلا بعيدًا عن القضاء!!


فإن استقرار تلك العقود والحماية المذكورة جاءت ضمن حيثيات رئاسة الجمهورية في إصدارها للقرار بقانون تنظيم الطعون على العقود الحكومية، الذي قصر في مجمله حق الطعن في العقود التي تكون الدولة طرفًا فيها على طرفي التعاقد فقط!.

يعني لو كان هناك فساد حكومي في أي من هذه العقود لا يحق لكل من يكتشف ذلك الطعن عليها، بل يقتصر الطعن على الحكومة أو أطراف العقد الأخرى! والواقع الفعلي أن طرفي العقد الإداري أو أطرافه من الدولة أو الغير، غالبًا ما تجمعهم مصالح مشتركة لا ترتقي مطلقًا إلى مصالح الشعب أو مستقبل البلاد، وهو ما يجعلهم بعيدين أحايين كثيرة عن اللجوء إلى القضاء للفصل في المشكلات الناجمة عن التعاقدات، والاكتفاء بتسوية مشكلاتهم أو خلافاتهم بينهم، خوفًا من إلغاء المحاكم لتلك العقود أو تعديل شروطها أو انكشاف ما قد يكون فيها من فساد مالي أو إداري. ثم ما معنى استقرار عقود قد يشوبها الفساد! وما حكاية تحصين بعض التصرفات من القضاء التي تنتهجها السلطات السيادية منذ ثورة يناير 2011، نعم الأمر هنا ليس تحصينًا كاملًا ولكنه يدخل في زمرة التحصين الجزئي غير المباشر!.

يعني إيه أن ينص القانون على أن تقضي المحكمة من تلقاء نفسها بعدم قبول الدعاوى أو الطعون المتعلقة بالمنازعات المنصوص عليها فيه والمقامة أمامها بغير الطريق الذي حدده هذا القانون؟ أليس هذا يا أولى النهى تغولًا في وظيفة القضاء وإملاء لأحكامه؟ مع أن التعديلات الدستورية الأخيرة لدستور 2012 خوَّلت مجلس الدولة كجهة قضائية مستقلة ودون غيره اختصاص الفصل في المنازعات الإدارية كافة ومنازعات التنفيذ المتعلقة بجميع أحكامه، وما الطعون الخاصة بعقود الإدارة إلا جزء أصيل من المنازعات، وهو الذي أنزل قانونه اختصاص الفصل في المنازعات الخاصة بعقود الالتزام أو الأشغال العامة أو التوريد أو بسائر العقود الإدارية، وكلها بالطبع عقود تكون الدولة بوزاراتها أو أجهزتها أو مؤسساتها أو مصالحها العامة طرفًا فيها.

يعني إيه أن يُخضع هذا القانون لأحكامه الدعاوى والطعون المقامة أمام المحاكم قبل تاريخ العمل بهذا القانون، ويُلزم المحاكم بالحكم بعدم قبول الدعاوى أو الطعون المتعلقة بذلك! مع أن الدستور المصري المعدَّل أرسى مبدأ هامًا ومُتعارفا عليه دوليًا بأنه لا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون. لماذا لا ندع القضاء يقول كلمته مهما كانت قسوتها أو نُدرتها؟

يعني لو افترضنا مثلا أن أقام غير ذي صفة طعنًا أمام المحكمة على أي من هذه العقود، ألا تستطيع المحكمة بعد دراسة أوراق القضية والمداولات وسماع المرافعات أن تقف على انتفاء هذه الصفة، وبالتالي ستحكم بعدم قبول الدعوى، بدلًا من الأمر التشريعي للمحكمة بأن تحكم بذلك بداءة! إن هذا ما يكشف الفكرة الشاذة التي ينتهجها هذا القانون بعد ثورتين كان الفساد الحكومي وقود اشتعالهما الرئيس! ولكِ الله يا مصر ويا شعبها المطحون تشريعًا وتسريعًا!
Poetgomaa@gmail.com

الجريدة الرسمية