رئيس التحرير
عصام كامل

رجل الدولة والمناضل السياسي


أغلق باب الترشح للانتخابات الرئاسية على مرشحين اثنين توافرت فيهما الشروط الشكلية، وخاصة عدد التوكيلات التي نص عليها القانون، وهما السيد "عبد الفتاح السيسي" والسيد "حمدين صباحى".. وأنا ممن يحمدون لــ "حمدين صباحى" أنه قرر أن ينزل بجسارة إلى السباق الرئاسى بالرغم من الشعبية الجارفة للسيسي.

"حمدين صباحى" مناضل سياسي قديم، حمل علم الناصرية من قبل، ومارس العمل البرلمانى وتألق حين كان 
عضوًا بمجلس الشعب.. وقد خاض في مسيرته السياسية معارك شتى وتحول في بعض الفترات – حسب ما تقضيه السياسة- من موقع إلى موقع آخر، وظهر ذلك جليًا في أنماط تحالفاته السياسية التي اختلفت حسب الظروف والأحوال.

أما "السيسي" فهو الذي ينطبق عليه بحق صفة "رجل الدولة"، لأنه أتيح له أثناء عمله ضابطًا مرموقًا بالقوات المسلحة أن يشغل مناصب حساسة للغاية تقتضى في المقام الأول تأهيلًا عسكريًا رفيع المستوى، حصل عليه في الداخل والخارج من خلال البعثات العسكرية التي أوفدته القوات المسلحة فيها.

كما أنه شغل وظائف الملحق العسكري من قبل، وأصبح من بعد مديرًا للمخابرات الحربية وهو منصب بالغ الأهمية، لأنه أتاح له الاطلاع على أسرار الأمن القومى العميقة والتي تتعلق بعلاقات مصر الخارجية، سواء مع الدول الكبرى أم مع الدول المتوسطة أو الصغرى.

وبعد أن أصبح عضوًا في المجلس الأعلى للقوات المسلحة أختير في عهد "مرسي" وزيرًا للدفاع ونائبًا أول لرئيس الوزراء، وهو بهذه الصفة أصبح المؤتمن الأول على القوات المسلحة تجهيزًا وتدريبًا، وفى نفس الوقت أتيح له أن يطلع - وبحكم عضويته لمجلس الوزراء- على مختلف المشكلات المصرية.

وهكذا يمكن القول إنه سيتقابل في السباق الرئاسى رجل الدولة من ناحية بكل خبراته، والمناضل السياسي بكل ميزاته أيضًا.. ولعل أهمها قربه من الشارع السياسي بحكم تأسيسه حزب "الكرامة" وتمثيله لدائرته في البرلمان.

وحين يطرح كل منهما برنامجه سنعرف ما هي الرؤية الإستراتيجية – إن وجدت- التي يقدمها كل منهما لحل المشكلات المصرية الجسيمة والمتراكمة.. والرؤية الإستراتيجية- بحسب التعريف- أوسع نطاقًا من فكرة البرنامج.. لأن البرنامج قد يركز على حل المشكلات في الأجلين القصير والمتوسط، ولكن الرؤية الإستراتيجية تعنى رسم صورة لمستقبل مصر في العشرين سنة القادمة.

وهذه ليست مهمة سهلة ولا ميسورة.. لأن استشراف المستقبل يقتضى في المقام الأول المعرفة الدقيقة بتحولات النظام العالمى وطبيعة التطور الذي سيلحقه في السنوات القادمة بعد الانهيار الحتمى للمكانة المتميزة التي تتمتع بها الولايات المتحدة الأمريكية اليوم، بحكم أننا نعيش في عالم أحادى القطبية بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، وهذا العالم ينتقل الآن – ببطء وإن كان بثبات- إلى عالم متعدد الأقطاب.

الفهم العميق لهذا التحول أساسى لرسم رؤية إستراتيجية واقعية لمصر.. ومن ناحية أخرى، لابد لمن سيضع رؤية إستراتيجية أن يفهم أن التحول الحضارى الذي يسير في طريقه الآن هو الانتقال من مجتمع المعلومات العالمى إلى مجتمع المعرفة، بكل ما يقتضيه ذلك من التطوير الجذرى للتعليم وتنمية الإبداع وإقامة قاعدة متينة لاقتصاد المعرفة.

ولابد للرؤية الإستراتيجية أن تستشرف مستقبل النظام الشرق أوسطى والتفاعلات المتوقعة بين إيران وتركيا وإسرائيل، لتحديد السياسة الخارجية المصرية على أسس سليمة.. ويبقى أخيرًا، وقد يكون أولًا رسم خريطة واضحة للمشكلات المصرية، ووضع تصورات مستقبلية للنمو السكانى والنمو الحضرى، ومواجهة مشكلات مياه النيل، والقضاء على الفقر والعشوائيات.

بعبارة مختصرة السياسات المتكاملة التي تكفل رفع مستوى جودة الحياة بالنسبة للغالبية العظمى من المصريين.. هذه هي أهمية الرؤية الإستراتيجية وأبعادها المختلفة والتي تتجاوز بكثير الآفاق الضيقة للبرامج التفصيلية! ويبقى أن نرى كيف سيقدم كل من رجل الدولة والمناضل السياسي رؤاه المستقبلية لمصر المحروسة.
الجريدة الرسمية