الفتوى القادمة.. إن جالك الطوفان حط ابنك تحت رجليك!!
حتى تاريخه لا أعرف سر الهجوم غير المبرر على الشيخ ياسر برهامى، فيما يخص رؤاه الدينية؛ فالرجل ليس شيخا للأزهر، وليس مفتيا عاما لمصر والمصريين، وليس رئيسا للجنة الفتوى بالأزهر الشريف، وما قاله لا يعدو كونه وجهة نظر قد استقاها فضيلته من قراءات، أو من خلال معايشة لظروف حياتية قد تتنافر فيما طرحته مع ما يؤمن به عامة المصريين.
وأعتقد أن السادة الذين هاجموا الشيخ إنما انطلقوا في هجومهم من وضع استعداد سياسي يتم تجهيزه لإطلاق صواريخ الإقصاء والتهميش، ورفض الآخر كما فعلت جماعة الشيطان عندما اعتلت سدة الحكم لعام وحيد، قرر على إثره الشعب المصري إلقاءها في سلة مهملات التاريخ الحجري إلى الأبد.
وما قاله الشيخ برهامي لا يصح استخدامه سياسيا، فالرجل استمد ما قاله من قراءات واطلاع واسع وحكمة وهبت له من حيث لاندري، وقد قال كلمته دون أن يخشى فيما يظن أنه حق لومة لائم، أو همزة حاقد، أو لمزة مستغل، فماذا قال؟
لو أن مواطنا شريفا -لا قدر الله - دخل بيته فوجد ما لا يسر «إخوانيا» ولا حبيبا، ووجد زوجته في أحضان غريب، وكلاهما عارٍ تماما؛ فليس عليه أن يتصرف تصرف الجاهلية الأولى، ويخرج سيفه من غمده، ويقطع رأسيهما؛ فالحكمة والتربية الصحيحة والتروي والإنسانية تفرض عليه أن يتمهل ويأخذ نفسا عميقا، وينظر عن شماله، ويمعن فيما عن يمينه ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ويفرك عينيه جيدا؛ فإن عاد ورأى ما رأى في البداية، وتيقن أنهما عاريان تماما فلينتظر قليلا.
والتروى هنا والحكمة هنا والاستعاذة هنا كلها لمواجهة الشيطان الذي قد يزين للمرء الانتقام، وهو غير متأكد حيث لا يعني وجودهما عاريين أنهما -لاسمح الله- في وضع زنا أو شيء مما قد يصوره الشيطان للمرء محل الواقعة.. قد يكون الرجل بريئا مما تظنون، وقد تكون المرأة شريفة وأنتم تتوهمون.. أليس من الواقعي أن يتمهل الرجل ليتيقن أن الفرج في الفرج، وعليه أن يتمعن ليس فقط لكون الفرج في الفرج، وإنما لابد أن يتأكد أن وضعهما كوضع المرود في المكحلة.
ولكي يتأكد الرجل "الشكاك" أن وضعهما على هذا النحو.. يجب عليه أن يستأذن الرجل الغريب، وأن يلتمس من زوجته أن تكون واضحة، وأن تميل يمينا ويسارا، لكي يري بنفسه ويتيقن حتى لا يصيب قوما بجهالة، وساعتها طبعا سيكتشف أن ظنونه قد ذهبت به بعيدا، وهنا عليه الاستغفار، ثم الاستغفار، فقد كاد أن يقع في كارثة الظن السيئ.
هذا ماقاله الرجل رافضا انفعال الجهلاء الذين قد يقتلون الاثنين، ويقعون في واحدة من الكبائر، أما ما قاله ثانيا وسبب غضبة الجماهير المتدينين وغير المتدينين ضده فيقع كله في دائرة حماية النفس، فلو أن مواطنا شريفا قرر أن يصطحب زوجته في نزهة خلوية، أو شاءت ظروفه أن يمضي من طريق مقطوع، وخرج عليه خارجون عن القانون، وانتزعوا منه زوجته ليغتصبوها فلا جناح عليه أن يهرب أو أن يتركها لهم حماية لنفسه، وحرصا على حياته ويا روح ما بعدك روح.
وأصل الفتوى البرهامية ليست منطلقة من حالة ندالة أو جبن أو خوف، وإنما تقتضي الحكمة البرهامية أن يكون المؤمن قويا فهو خير من الضعيف، ومصدر القوة هنا أن يتحمل هذا المؤمن مشاهد اغتصاب زوجته.. عليه أن يصبر ويصبر ويصبر، فالصبر مفتاح الفرج، وعليه أن ينسى هذه المشاهد بمجرد أن يسمح له السادة المغتصبون أن يستعيد زوجته، وربما عليه أن يبذل جهودا جبارة ليجعل زوجته تعتبر ما حدث ابتلاء، والبلاء نعمة، وليساعدها على تجاهل الأمر تماما بأن يقنعها بأن ماحدث كان مجرد اغتصاب.. اغتصاب وعدى!!
وحالة فرار الزوج والنجاة بنفسه إنما هي واحدة من إلهامات الشيخ التي قد يكون مصدرها التنشئة الاجتماعية، والتفسير المنطقي للرجولة؛ فالرجل هو القادر على حماية نفسه، ثم نفسه.. ألسنا من نردد "إن جالك الطوفان حط ابنك تحت رجليك" وألسنا أصحاب المثل الشعبى القائل "إن خرب بيت أبوك خدلك منه قالب".. هل هناك ندالة بعد وضع الابن تحت الأقدام والتضحية به إنقاذا للروح الغالية، وهل هناك استغلال يضاهي استغلال الابن أثناء خراب بيت أبيه.. إن الرجل لم يأت بجديد، وإنما وصف الحالة التي نحياها بواقعية يحسد عليها الشيخ الفضيل!!!!