الدكتور إبراهيم ناجى يكتب: فلسفة المرض

في مجلة الإثنين عام 1948 كتب الشاعر الطبيب إبراهيم ناجى صاحب قصيدة الأطلال التي غنتها أم كلثوم مقالا بعنوان "فلسفة المرض" يقول فيه:

كنت قبل مرضى الأخير أعيش في شبه حمى، فكنت أعمل من الصباح إلى المساء لأنى أكره الظلمات والنوافذ المغلقة، ابقى خارج المنزل إلى منتصف الليل لأحصل على النور والهواء، وكنت أكره العمارة التي أسكنها.

وتمر بى الأيام بلا طعم، فلم أكن أشعر بالجوع لكنى كنت مشغولا بالمرضى وغيرهم، وكنت أعمل ذات مساء في عيادتى فلاحظت أن أظافرى زرقاء، وألمح ظلالا تحت أهدابى، ووضعت ميزان الحرارة في فمى فإذا بالحرارة مرتفعة ارتفاعا مخيفا، فغادرت العيادة وأويت الفراش في بيتى.

في الصباح ذهبت إلى طبيب صديق ففحصنى وحدثنى عن مرضى وقال: "ليس عندى دواء لك إلا الراحة عدة أشهر راحة مطلقة تستمتع خلالها بغذاء جيد ونوم عميق.

عملت بمشورة الطبيب واستعدت صحتى وعافانى ربى، واتضح أننى كنت أنفق من عافيتى كثيرا، وعلمتنى فلسفة المرض أن الأصدقاء قليلون وأن الخيال لا يغنى عن الحقيقة، أما الأدب وإن أضعت عمرى في أوهامه كان تسليتى في غمرات الكروب، والنافذة الوحيدة التي كانت تصلنى بالنور والهواء.

ونقلتنى الدروس التي تعلمتها من مرضى من الإيمان المطلق إلى الشك الذي لم أكن أحبه، وبعد أن كنت أفتح قلبى لكل طارق أصبحت أغلقه دون الجميع، ولم أعد أتعب نفسى ببذل المجهود المستمر، وقد بلغ بى الكسل إلى أن أحد من نشاطى حتى في الناحية الطبية العملية التي أعيش من العمل بها.