كتاب مراوغون!
في الثلاثينيات نشر الكاتب الفرنسى "جوليان بندا" كتابًا ذاعت شهرته عنوانه "خيانة الكتبة" وهو يفرق فيه تفرقة حاسمة بين "الكتاب" و"الكتبة"! والكاتب عنده هو الذي يتسم عمله بالأصالة، وهو عادة ما يصدر عن رؤية نقدية للمجتمع والإنسان، في نفس الوقت الذي يتسم فيه بحس أخلاقى رفيع يدفعه إلى توخى الموضوعية والحرص على البحث عن الحقيقة مهما لاقى في ذلك من المشاق والمصاعب.
وهو لا يمكن أن يمارس الكذب، ولا يلجأ إلى خداع القارئ لكى يروج لأفكار زائفة، ولا ينكر الوقائع الثابتة، ولديه القدرة على ممارسة النقد الذاتى والاعتراف بأخطائه، والاعتذار عن سقطاته لو حدثت بدون تعمد. أما "الكتبة" فهم الكتاب المزيفون الذين لا يتورعون عن الكذب الصريح، أو إنكار الحقائق الثابتة، وممن يروجون للشائعات ويضخمون من الأحداث.
ومن هؤلاء "الكتبة" كاتب مصرى معروف بهواه الإخوانى، وهو منذ استلام جماعة الإخوان المسلمين للسلطة وهو يبرر أخطاءهم، ولا يعترف بالجرائم التي ارتكبوها في حق الشعب المصرى. غير أن أخطر أدواره ما يقوم به الآن من الدفاع الصريح عن الإرهاب الإخوانى الذين يمارسونه في شوارع وجامعات مصر جهارًا نهارًا.
بل إنه في سبيل الدفاع الكاذب عن الإخوان المسلمين ادعى أن حوادث الاغتيالات الإجرامية التي وقعت ضد القيادات الأمنية أو ضد بعض ضباط القوات المسلحة من صنع الجماعة الإرهابية "سرايا القدس"، وأن الإخوان لا علاقة لهم بأحداث العنف!
وقد زايد على نفسه في موضوع خداع الجماهير حين طالب الناس أن تصدق البيان الكاذب الذي أصدرته قيادة الإخوان وادعت فيه أنه لا صلة لها إطلاقًا بالعنف!
ولم يخجل من صمته المريب عن المظاهرات الإخوانية التخريبية والتي يستخدم فيها المولوتوف والخرطوش ضد قوات الأمن.
وقد رأيناه منذ أيام يتباكى على ما ادعاه من وقائع تغريب لأحد قيادات الإخوان المسلمين، ولكنه لا يذكر أبدا ضحايا الشرطة والقوات المسلحة الذين سقطوا في ساحة الشرف دفاعًا عن الشعب المصرى الذي أرادت جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية ترويعه، وبث الخوف بين جماهيره حتى لا يواصلوا تنفيذ خارطة الطريق وحتى يحجموا عن المشاركة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة.
وهو لا يستحى من أن يستنكر الانتقادات التي وجهت إليه من أنه يستخدم هو وكتاباته في الداخل والخارج للهجوم على ثورة الشعب المصرى التي أسقطت الرئيس المخلوع، وحررت المجتمع من الاحتلال الإخوانى الذي ثبت أنه كان أخطر من أي احتلال أجنبى للبلاد، لأن المشروع الإخوانى كان يهدف إلى هدم كيان الدولة وتفكيك القوات المسلحة.
وهو بلا حياء وخجل يستنكر أن تصفه بعض البرامج التليفزيونية أنه ينفذ بكتاباته غير الموضوعية "مؤامرة" لصالح قطر وتركيا وكل الدول الغربية التي تعادى ثورة 25 يونيو. ولم يسأل هذا المخادع نفسه أليس طلبة الإخوان المسلمين هم الذين اقتحموا جامعة الأزهر ودخلوا المكاتب والمعامل وحطموا أجهزة الكمبيوتر الموجودة بها؟
أليس طلبة وطالبات الإخوان المسلمين هم الذين يعبثون فسادًا وتخريبًا في جامعات مصر كلها؟ أليس أعضاء الإخوان المسلمين هم الذين يزرعون القنابل لتنفجر في الأبرياء، وأليسوا هم الذين يشاركون غيرهم من أعضاء الجماعات الإرهابية في اغتيال قيادات وجنود الشرطة؟ وأليسوا هم الذين يمارسون الكذب وينشرون الشائعات المضللة في وسائل الإعلام العالمية في أن ما حدث في 30 يونيو هو انقلاب عسكري؟
وقد تجاهل هذا الكاتب المراوغ أن 30 يونيو كانت هي التعبير الشعبى الصريح عن الرفض القاطع لحكم الإخوان المسلمين، ولن تجدى مراوغاته في الهروب من هذه الحقيقة الدامغة! تذكرت التفرقة الدقيقة التي صاغها "چـــــــــــوليان بندا" حين طالعت أصداء المعركة بين "الكتبة" و"الكتاب"!