مبارك تنحى والثورة مستمرة
كان البعض ممن شاركوا فى صنع ثورة الخامس والعشرين من يناير يتخيل أن سقوط مبارك وخروجه من الحكم هو نهاية الفساد والظلم والاستبداد وبداية عصر جديد تتحقق فيه أحلام الشعب المصرى وبداية مرحلة جديدة من البناء والتنمية وتحقيق أهداف وشعارات الثورة على أرض الواقع وكان من الممكن أن يحدث ذلك عن طريق إعداد الدستور المصرى ورسم شكل الدولة المصرية الجديدة قبل البدء فى أى عملية انتخابية حتى لا يستأثر فريق واحد بصنع دستور يخدمهم ويحقق مصالحهم ويقضى على أهداف الثورة ويمارس الإقصاء لكل معارضيه.
لكن كعادة الدول النامية الثورات تختطف عبر القادرين على عقد الصفقات السرية بين من يدير شئون البلاد وبين عدة دول خارجية الجميع يعلم أنها تريد مسارا معينا للثورة المصرية وتريد إفشالها عبر تدخلها الواضح فى صنع نظام جديد بديل لنظام مبارك يكون الوكيل الجديد فى منطقة الشرق الأوسط.
وهذا ما حدث لمصر بعد عامين من تنحى مبارك فلا شىء تغير فى مصر الوجوه تبدلت والسياسات كما هى بالعكس الفقر والبطالة والتراجع الاقتصادى والأمنى فى تصاعد كبير والأهم تمزق النسيج الوطنى المصرى فنحن نعيش فى عصر النظام الإسلامى كما يردد أتباعه ومن يعارضه فهو ضد الإسلام، تخيلوا سخرية القدر ثرنا على مبارك لندخل عالم الإخوان المسلمين وهم الوجه الآخر لنظام مبارك لكن بوجه إسلامى.
هل تغير شىء فى المشهد السياسى خلال هذه الفترة من تنحى مبارك حتى الآن؟ كل ما حدث عدة انتخابات قدمت لنا صعود التيار الإسلامى بكل قوة لسدة الحكم من خلال رئاسة الدولة والمجالس التشريعية والنقابات وغيرها وهذا حقهم وثقة بعض الشعب بهم لكن ماذا فعلوا مع رفقاء الميادين وشركاء الثورة وماذا فعلوا فى أكذوبة دستور مصر فمن الواضح أنهم يمارسون عملية تصفية واضحة للمعارضة من خلال التشكيك والتخوين والاتهامات بالعمالة ومعاداة المشروع الإسلامى وغيرها من قوائم التهم الجاهزة وما النتيجة؟ انفراد الرئيس وجماعته بالحكم والحكومة وعملية تمكين واضحة لرجال الجماعة فى كل مفاصل الدولة فهل هذه هى الثورة وهل ثار الشعب على مبارك ليفعل الإخوان ذلك؟
أداء الرئيس مرسى على أرض الواقع جعل بعض المصريين يتمنون عودة نظام مبارك، تخيل أنه جعل قطاعا من شعبه يكفر بالثورة للإحساس المنتشر فى الشارع أن الثورة لم تقدم شيئا لمصر سوى صراع سياسى وصلت حدته لحرب شوارع دائرة ضد الرئيس ونظامه ومحاولة اقتحام بعض قصور الرئاسة ومقار المحافظات وكل يوم يضاف شهيد جديد للثورة، ففى عصر مرسى استشهد 72 شخصا واعتقل عدة آلاف تخيلوا كل هذا فى عدة أشهر وذلك بخلاف عدم احترام لمؤسسات الدولة من قبل الدولة ومناصريها وحصار المحكمة الدستورية ومدينة الإنتاج الإعلامى وترسانة القوانين التى تعد الآن لحماية الجماعة وتمكينها من حكم مصر والشواهد كثيرة على إرادتهم الواضحة فى دفن الثورة المصرية وقمع المتظاهرين والقضاء على التظاهرات من خلال القوانين المكبلة للحريات والهجوم على الإعلام وكل صاحب رأى وكل يوم نرى صحفيين وإعلاميين فى ساحات القضاء بتهمة إهانة الرئيس.
تنحى مبارك وجلس مرسى على عرش مصر ولم يتغير شىء فالتظاهرات مستمرة والإضرابات لم تنته والمواطن المصرى لن يصبر طويلا على الحرب الدائرة بين النظام والمعارضة ولن يتهاون فى مستقبله والأيام القادمة ستحمل للجميع مفاجآت ستعيد للثورة قوتها فهى حتى الآن لم تنطلق بعد.