رئيس التحرير
عصام كامل

عالم الإخوان


أظنها رحلة مرهقة.. لغيرى مثلما هى لى تلك التى صعدت وهبطت فيها أسماء وصفات.. وجماعات.. وأكثر ما فيها إرهاقًا هى حالة الترقب المؤلمة التى يعانى منها كل الشعب المصرى، وليس فى يده فى هذا الوضع سوى استخدام قدرة تكهنية، مستبدلًا فراغ الجهل بوميض الأمل.


ولا أدرى لماذا استدعيت من ذاكرتى بعض المشاهد التى عرضها التلفاز فى برنامج (عالم الحيوان).. واستوقفنى مشهد بعينه.. لنمر يفترس أنثى القرد.. ولأسفى كانت الفريسة تحمل على كتفها "رضيعها".. وهالنى ما رأيت ! بعد أن عكف النمر على الفريسة والتهمها استدار للرضيع وحمله وسار فى طريقه.. وبعد دقائق من الترقب اللاهث وجدته يلاطف الرضيع وينظفه بلسانه ويداعب بلطف شعر رأسه ؟

لا يمكن للعقل أن يستوعب كيف أنه فى مملكة الحيوان لا تفترس الحيوانات ما يماثلها من النوع نفسه، رغم كونها لا تملك قدرة على التمييز؟ بل كيف تعرف الرحمة طريقها إلى قلب وحش التهم الفريسة ورأف بالرضيع ؟
نحن الآن أمام الطبيعة الحيوانية من زاوية نظر ضيقة تبدو لى قابلة للنقاش وهى "الافتراس"، لكن معناها سوف يتضح حينما نذهب إلى ما هو أبعد من المشهد.. لكننا لن نبتعد كثيرًا عن مملكة الحيوان فلا أدرى لماذا حينما تذكرت ذلك المشهد تراءى لعينى وطن ينتهك ويفترس، ولكن لم يتحل المفترس فيه بطبيعة الحيوان.. وحش فتك بمصر ولكنه لم يرحم أولادها.. تصيدهم الواحد تلو الآخر.. وانتهكهم بكل الطرق غير المشروعة إنسانيًا.. ولكن عجيب أمر هذا الجيل.. ماذا حدث له فأصبح لا يهاب الموت ؟
ربما لأنه شعر ولأول مرة بغربته فى وطنه.. فهو الآن وطن الإخوان.. وهو خارج كل السياقات حتى سياق التضحية فى سبيل الوطن ( قتلانا فى الجنة وقتلاهم فى النار)!

ربما لأنه رأى أن منهج الإخوان دفع بكل قواه التدميرية وتجاوز إتلاف ثروة مصر إلى إتلاف مصر نفسها فى سبيل إرساء "دولة الخلافة" !
ربما لأنه خبر المعنى الحقيقى للتضحية.. فالتضحية ليست القتل وإنما هى التخلى والعطاء، وليس فعل القتل إلا عرضًا لمعنى عميق.. وعليه فهو لا يقتل بل يُقتل فى سبيل وطنه.. ما يحدث الآن لشباب مصر هو الصراع الأكثر جذرية حول ترسيخ مفهوم الوطن وهو فى الوقت نفسه أعلى درجات التفلت للعنف الداخلى.. لقد استخف الشعب بحاكمه.. وكانت أحداث بورسعيد وما تلاها خير رد.. وانتفض الشباب ضد ميليشيات الإخوان المسلحة.. وظهرت للوجود حركات أولاها "بلاك بلوك" ولن يكون آخرها.
لقد تكلمنا سابقًا عن نظرية الفوضى التى تجتاح مصر.. وما يحدث الآن هو تطبيق النظرية بحذافيرها.


الجريدة الرسمية