رئيس التحرير
عصام كامل

المجتمع والدراما في موريتانيا... علاقة تنافر أم انسجام؟


أثار لعب إمام مسجد في نواكشوط دوراً في مسلسل يعالج قضية الزواج بالسر ردود فعل من بعض المصلين في المسجد، فتوقف البعض عن الصلاة خلفه؛ فما هي الرسالة التي أراد الإمام إيصالها للمشاهدين ولماذا يرفض المجتمع إمام مسجد ممثل؟.


تنظر بعض الأوساط الاجتماعية المحافظة في موريتانيا إلى الدراما الاجتماعية بقدر كبير من الريبة، خصوصًا إذا حاولت أن تتجاوز حدود المقدس الديني، لكن رغم ذلك يصر الفنانون على تحدي القيم الاجتماعية المحافظة ولو اقتضى ذلك توظيف رجال الدين في كسر صورة النمطية للفن.

في حادثة تعد الأولى من نوعها في موريتانيا أقدم إمام أحد المساجد الشعبية بضواحي العاصمة نواكشوط على لعب دور في مسلسل اجتماعي بثته القناة التليفزيونية الموريتانية الرسمية خلال شهر رمضان الماضي تحت عنوان "بنت الناس".

وقد جسد الإمام عليين ولد همت شخصية رجل موريتاني تقليدي مولع بالقيام بالزيجات بشكل سري وهو نمط من الزواج يعرف في موريتانيا بزواج السر.

رفض رجل الدين الممثل

تجسيد الرجل لهذا الدور وظهوره في جميع حلقات المسلسل التي استمرت طيلة ثلاثين يومًا تولد عنه مشاكل من نوع آخر على مستوى حياته الواقعية، حيث رفض مجموعة من المصلين الذين يرتادون المسجد بشكل دائم الاستمرار في الصلاة خلفه، بحجة أن ممارسته للتمثيل تعد خرقا لقيم المجتمع وتتنافى مع ضوابط الاحترام والوقار الذي ينبغي أن يميز شخصية إمام المسجد.

وفي حديث مع DW قال بو سحاب ولد الشين ولد الجودة أحد أعضاء المجموعة التي ترفض الصلاة خلف الإمام "نحن لا يمكننا أن نقبل الصلاة خلف إمام منحرف ويمارس الأعمال العبثية، فالظهور عبر شاشة التليفزيون وتقمص دور كاذب والاختلاط مع النساء في جو من العربدة والمرح لا يليق بشخصية الإمام، لأن هذا الأخير ينبغي أن يتحلى بالوقار والالتزام الأخلاقي والديني حتى يتسنى لنا تقبله".

وجاء في حديث بوسحاب أن التمثيل في موريتانيا حسب وجهة نظره عمل لا يليق إلا بنوع خاص من الأشخاص وليس من بينهم أئمة المساجد بكل تأكيد.

وختم حديثه بالقول "لهذا السبب طلبت من الجماعة عدم قبول إمامته ولا حتى قبوله كمؤذن ومازلت مصممًا على موقفي حتى يعلن توبته من كل ذلك ويعود إلى رشده".

دور التمثيل في التوجيه الأخلاقي

الإمام الذي وجد نفسه في موقف حرج أمام أعين المصلين، بل وحتى بعض المواطنين الآخرين مايزال يسعى للحول على مخرج من هذه الورطة التي كلفته جزءًا من الاحترام والقدرة على التأثير والتوجيه.

ولهذا قال في حوار مع DW  "رغم أنني جد مقتنع بأن التمثيل لا يتنافى مع شخصية ودور رجل الدين، مادام غرضه نبيل، فإنني أجد صعوبة في إقناع بعض المصلين بالعودة إلى حالتهم الطبيعية، ولهذا مازلت أسعى إلى استصدار فتوى من بعض المشايخ ورجال الدين المعروفين كي يبينوا للناس الموقف الشرعي من التمثيل".

وأضاف الإمام عليين ولد همت "لقد قمت بتجسيد شخصية فنية في مسلسل بنت الناس لمعالجة ظاهرة التفكك الأسري التي تنخر المجتمع الموريتاني وذلك بإلقاء الضوء على ظاهرة زواج السر وما يرتبط بها عادة من عدم اعتراف الزوج بالأبناء خوفا من انكشاف أمره لدى زوجته الأولى، لأن ذلك يؤدي غالبا إلى وقوع الأبناء ضحية لعدم اعتراف الأب، وبلعبي لهذا الدور أعتقد أنني أساهم من جانبي في نقد الظواهر السلبية التي يعاني منها المجتمع بالطرق المناسبة انطلاقا من القاعدة التي تقول "خاطبوا الناس بما يفهمون، أي دفع مضرة وجلب منفعة".

واستعرض ولد همت الأساليب التي يقوم بها المعترضون على إمامته كالتشويش على باقي المصلين وتعبئتهم لرفضه وهو ما دعاه في النهاية إلى الرضوخ والانسحاب حفاظًا على استمرارا الأوضاع.

فنون سيئة السمعة

واقع الرفض الاجتماعي التي يتعرض لها هذا الإمام يعكس تشبث بعض المواطنين بالصورة القديمة تجاه الفنون المسرحية والسينمائية التي طالما اعتبرت فنونًا سيئة السمعة.

وقد واجهت الأجيال التي حاولت التأسيس للدراما أو المسرح والسينما بشكل عام رفضًا قويًا لدى المجتمع الموريتاني مازالت آثاره قائمة إلى اليوم حسب ما يقول المخرج والفنان المسرحي باب مينى الأمين العام لجمعية المسرحيين الموريتانيين.

ويرد الفنان بابا مينى، العداء الاجتماعي لتلك الفنون إلى "عدم فهم المجتمع للرسالة التي تحملها الفنون بشكل عام من جهة، ومن جهة أخرى ممارستها في السنوات الأولى على يد هواة يفتقدون في أغلب الأحيان إلى العمق المعرفي وتراكم التجربة وبالتالي فشلوا في التخاطب مع المجتمع الموريتاني المحافظ باتخاذ الوسيلة التي تمكنهم من تحقيق هدفي التوعية واحترام مشاعر المتلقين" وهذا وَلَّدَ رد فعل حاد لدى المجتمع وخصوصَا بعض رجال الدين الذين أصدروا بعض الفتاوى ضد الفن، حسب قوله.

لكن الفنان بابا مينى يعتبر أن عقلية المواطن الموريتاني تجاه الفنون تغيرت كثيرَا مقارنة بالسنوات الماضية، والسبب هو دخول النخبة المثقفة مجال الفنون وانتشالها من مرحلة الهواية وبالتالي استطاعت أن تخاطب المتلقي بأساليب واعية جعلت الكثيرين يتقبلونها بصدر رحب وأصبحوا يفهمون أن الممثل هو إنسان يجسد شخصية واقعية بهدف معالجة قضية معاشة.

أما الدكتور محمود السالك، أستاذ علم الاجتماع بجامعة نواكشوط فقد رأى في تجسيد رجل الدين لشخصية درامية حدثاً فريدًا في مجتمع محافظ يرفض النظر إلى رجل الدين في إدوار غير دينية ولذا من الطبيعي أن تحدث ردة فعل، لأنه لو كان دوره في المسلسل يتماشى مع شخصيته الدينية لما حدث هذا الرفض.

وأضاف محمود السالك أن ظهور الإمام في شخصية مغايرة لدوره التقليدي يمكن فهمها في سياق رغبة مخرج المسلسل في كسر الصورة النمطية لرجل الدين لجعل المجتمع يتقبل ذلك تدريجيًا، ولهذا كان عليه أن يتحسب لردود فعل قوية.

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل

الجريدة الرسمية