رئيس التحرير
عصام كامل

إنهم يجعلون من الثورة عورة


لابد وأن أتأسف للقارئ على اختيارى لذلك العنوان، ولكنه قد يكون أقل تعبيراً عما يحدث بالفعل ويجرى أمامنا وكيف خرجت نساء مصر فى مظاهرة اعتراضاً ورفضاً على "تعرية الرجال"، وإذا كان ذلك هو حال نسائنا الذى يحسب لهم ذلك الموقف والذى يؤكد لنا فى وسط هذه العتمة أن مصر مازالت تنبض ولم تصل إلى حالة الموت.

ولم يكون الأمر هين على الرجال وعلى الثوار وما الذى يمكن أن تلحقه هذه المشاهد المخزية أياً من قاموا بها وأياً كان سبب ذلك الاعتداء وأياً كان سبب تواجد ذلك الشخص الذى اعتدى عليه والذى أعتقد أنه قد قتل أدبياً ونفسياً .. إنها تلحق التشويه بالثورة وتحاول أن تجعل من ثورة قد أبهرت العالم كله وقد رأينا تعليقات رؤساء العالم عليه وكيف أدهشهم ما فعله شباب مصر والذين استطاعوا أن يحيوا حضارة 7 آلاف عام أمام العالم ويستحضرونا وينهضون أذهان العالم بأن هذه هى مصر التاريخ والعراقة والعزة والصمود والتى لا يستطيع أية حاكم أو استعمار أن يكتم أنفاسها أو يذلها دون أن تثور عليه كالطوفان الجارف والكاسح.
فشعب مصر وإن كان فيه هدوء النيل وعطائه فهو أيضاً فيه فيضانه الذى كان يجتاح كل شىء فى طريقه لينظف التربة ويمدها بالطمى رمز الحيوية والخصوبة واستعادة الحياة.. هذه هى ثورة مصر التى حاول الكثيرون أن يهيل عليها التراب وأن يلحق بها الازدراء والعار بمثل هذه التصرفات والممارسات الغريبة والمستهجنة، فلم يكف الكثير عند التعرض للثوار الذين ينزلون إلى الميادين إلى التعليق على بعض الأحداث الخارجية هذا إن صدق ما يقولونه ويقولون إن هناك حالات تحرش واغتصاب تحدث فى الميدان وأنها رصدت من جانب العديد من المراكز الحقوقية وقد أعلن ذلك فى بداية الثورة ومازال حتى يومنا هذا فهذا كله عندما يعلن أمام العالم لا تسىء فقط للثورة ولكنه يسىء إلى شعب مصر.
مثل هذه الترهات التى يحاول البعض أن يستخدمها فى صراعه مع الطرف الآخر ينسى أنه بذلك يسىء لنفسه أولاً قبل الآخرين.. إن ما يحدث يعنى نوع من الإساءة تاريخ مصر وإلى الطابع القوى للشخصية المصرية التى من المعروف عنها أنها تتكاتف فى وقت الأزمات وأن الشخص المصرى يتميز بالنخوة والخجل وعنده العرض والأرض أغلى من أى شىء وتهون فى سبيلها التضحية بالأرواح..
لذلك فإن ذلك المشهد المهين والمخزى قد أضاف المزيد من الإساءة للثورة وللشخصية المصرية وهو دائماً يحاول أن يعطى صورة وانطباع سيئ ومغلوط عن مصر وأن الثورة قد أظهرت أبشع ما فينا وأن علينا أن نندم على الأيام الخوالى ونقدم الاعتذار لمن ثرنا عليهم وأن نتوب ونعترف بأننا قد أخطأنا وأن ما كان على هؤلاء الشباب أن يثوروا وأن يسقطوا النظام السابق الذى كان يدارينا ويستر علينا ولم يفضحنا أو يعرينا ويكشف عوراتنا فى الشوارع وعلى الملأ وعلى مرأى ومسمع من العالم أجمع، ذلك هو المقصود وذلك ما يمكن أن يحدث من جراء هذه المشاهد التى لا نعرف حقيقة من ورائها وقد يكون هناك حالة من الانفلات فى أوقات الغضب ولكن لا تصل إلى ذلك الحد الذى تفوح منه رائحة الخبث ولكن الثورة لن تصبح عورة كما يريد لها البعض ولكنها ستظل رمزا للكرامة وأصالة شعب يحمل هذه الجينات منذ آلاف السنين وليقرأوا تاريخ مصر جيداً.
الجريدة الرسمية