يا "محازن" الصدف!
الأستاذ صلاح منتصر كتب في عموده اليومى، مجرد رأي، بالأهرام مقالًا بعنوان «إيه آخر نكتة؟».. أمسكت العمود!.. وقرأت المقال متلهفًا على العثور على آخر نكتة، فلم أقرأ إلا نعيًا لانقضاء زمن النكتة.. ومن «محازِن» الصُدَف أن يأتى مقال نعي النكتة للأستاذ منتصر في قفا صفحة الوفيات الشهيرة بالأهرام!
ينعى منتصر زمانًا كانت السوق فيه عامرة بالنكت، بل أكثر من ذلك كان هناك من يأتيك خصيصًا ليقول لك سمعت آخر نكتة؟.. والغريب ــ كما يقول ــ هو وصف كل نكتة بأنها آخر نكتة رغم أنه في كثير من الأحيان بعد أن تسمعها تتذكر أنها قديمة من أيام ثانوى ولكن السوق كانت نفسها مفتوحة.
أصِل إلى رأيه في النكتة عند المصريين، والذي أختلف معه كثيرًا.. يقول لا أعرف من الذي كان يؤلف هذه النكات، لكنى أؤكد وقد قرأت نكات الدول المختلفة ــ والكلام له ــ أن الذوق المصرى في النكتة وسرعة فهمه ورد فعله لها يجعله واحدًا من أذكى الشعوب، فليس هناك غبى يلقط النكتة، بل تعتبر النكتة المقياس الطبيعى للحداقة والفهم.
وهنا أختلف معه وبشدة.. فلسنا «أبناء نكتة» كما يقال دائمًا، بل نحن «أبناء قَفشة» بامتياز.. في تقديرى أن القفشة هي دليل عبقرية المصريين في الفكاهة، وليس النكتة كما يظن الكثيرون..
فالنكتة نشترك فيها مع كل الأمم كأحد أشكال الفكاهة، وكذلك النوادر والدعابات، وإن اختلف بناؤها ومذاقُها.. كما أن معظم النكت مكررة ومعادة بتصَرُّف وسيناريوهات تختلف من زمن لآخر.. في حين أن القفشة دائمًا حية طازجة متجددة، تولد مع كل حدث أو موقف جديد.. ارجع إلى ذكريات ونوادر أساطين الأدب والفن والسخرية بمصر طوال القرن المنصرم، لتكتشف بسهولة أن النكتة لم تكن لها الغلبة في مضمار الفكاهة المصرية، وإنما كانت القفشة الحية هي جوهرة تاج الفكاهة التي زينت رءوس المصريين وميزتهم بين كل شعوب الأرض.
من متابعاتى ومعايشتى للناس في كل «خُرم» في البلد وصلت إلى قناعة تامة بأن القفشة هي الملكة المتوجة على عرش صاحبة الجلالة الفكاهة عند المصريين.. فهى ومضة براقة كاشفة، أو لسعة كرباج على القفا، كلها خفة ظل مشتركة بين المصدر والمتلَقِّى، وتعتمد على ذكاء مشتعل وسرعة بَدِيهة.. (بَدِيهة مَصَابْنِى)!