رئيس التحرير
عصام كامل

لم يبقَ غير السخرية


قال لى إنه لا يستطيع أن يتكهن كيف سيكون شكل العالم العربى فى المستقبل لأنه لم يعدْ يعرف شكله الحاضر.  

كنا مجموعة أصدقاء فى أحد مقاهى بيروت بدأنا حديثاً جدياً عن الأوضاع العربية، والربيع المزعوم والفصول الثلاثة الأخرى، ثم وصلنا إلى قناعة واحداً بعد الآخر هى أننا لم نتوقع ما حدث، ولا نعرف ما يحدث، ونجهل ما يخبئ لنا المستقبل، فانتقلنا من الخلفيات والمعطيات والحيثيات إلى السخرية.


رأى واحــد أن الســـياسة العربية هى تسخير المصلحة العامة لخدمة المصلحة الخاصة. ونصحنا آخر بألا نقلق إذا تحسنت الأوضاع فى هذا البلد العربى أو ذاك، لأن الوضع الحسن لا يمكن أن يستمر فى بلادنا.

سمعت أن الربيع العربى ترك زميلاً يفكر فى أن الثورات قامت، لأن الحكم فى كل بلد عربى فاشل وغير منتج ولا يلبى حاجات الناس، وأثبت الثوّار صواب موقفهم والحكم الجديد أيضاً فاشل وغير منتج ولا يلبى حاجات الناس.

والآن هناك ثورة على كل ثورة، وسيأتى حكم آخر من نوع ما سبق.

شكا زملاء من تغطية الميديا العربية الأخبار، وقال صحافى إن الصحف تكذب على نفسها وعلى الناس، وتنقل الأخبار كما يتمنى كاتبها أن تكون لا كما هي. وقال آخر إن التلفزيون يعتقد أن شعوبنا جميعها من القاصرين، لذلك فهو يرى أن كل تلفزيون عربى تلفزيون أطفال.

الإخوان شكوا من كل شيء، التعليم فى بلادنا سيئ، ومَنْ لا يستطيع أن يعمل يعلِّم، ولكن مَنْ يعلِّم المعلمين... الأوضاع الاقتصادية فى الأرض، ومع ذلك لا تزال البنوك تحاول سرقة الناس أو سرقة ما ليس موجوداً. وواحد قال إن المجرم فى بلادنا رجل لا يملك رأس مال يكفى لتأسيس بنك. الأنظمة والشعوب سيئة وأسوأ والطرفان «يستاهل» أحدهما الآخر. هناك فساد هائل، وشرّ ما فيه أننا لم نحصل على حصة منه. الحاكم العربى اكتشف أخطاء كل مَنْ سبقوه وقرر ارتكاب أخطاء جديدة، والمواطن العربى إذا عرضت عليه مشكلة يختار حلاً يجعل المشكلة اثنتين.

قال آخر إنه لو عُرِضَ على المواطن العربى مئة طريق للخروج من أزماته الحالية لاختار الطريق الوحيد المسدود من بينها.

أحد الزملاء قال إنه قرر أن يعتزل العالم العربي، ويعيش ناسكاً على رأس جبل. وشعاره مُقتَبَس من قول سمعه: «لا تسِر ورائى لأننى لست مستعداً أن أقود. ولا تسِر أمامى لأننى لست مستعداً أن أتبع. ولا تسِر جنبى لأننى أفضِّل أن أُترَك وحدي».

كنت خلال جلسة الأصدقاء أستمع من دون أن أتكلم، ثم انتبه واحد إلى صمتى فاتهمنى بأننى جاسوس أسجّل ما يقول الجلساء لأنقله إلى مباحث أمن الدولة.

قلت إننى ساكت لأننى مصاب بوسواس، أو ما نسمّيه فى لبنان «سرساب»، وأخشى إذا تكلمت عن السلبيات، مع عدم وجود إيجابيات، أن يصيبنى طرف منها.

لم يبدُ أن الإخوان اقتنعوا بحجتي، فقلت إننا جميعاً نفعل ما نشكو منه والأنظمة لم تأتِ من فراغ، وإنما خرجت من هذه الشعوب، فهى نحن.

إذا كان ما سبق صحيحاً، فإننى أقترح أن نزيد على الوصايا العشر وصية حادية عشرة، فبعد الوصية: لا تشتهِ امرأة جارك، نزيد: إذا وقعت يا فصيح لا تصيح (مَثَل سعودى ينطبق على الجارة والحكومة).

وعادت بى الذاكرة إلى شيء من دراستى الأدب العربى فى الجامعة هو: أهلك الرجال الأحمران، اللحم والخمر.

وأهلك النساء الأصفران، الذهب والزعفران. والشاعر قال: الأبيضان أبردا عظامي/ الماء والفتّ بلا إدام.

أما الشاعر الآخر فقال: ولكنه يمضى فى الحول كله/ وما لى إلا الأبيضين شراب، والمقصود هنا شحم وشباب.

أما إيليا أبو ماضى فقال: جعت والخبز وفير فى وطابي/ والسنا حولى وروحى فى ضباب.

الإخوان قالوا: دخيلَك، لِحَد هون وبسْ، السياسة العربية أهون من سيبويه صاحبك. هربنا منه فى المدرسة، فتبعنا إلى الجريدة.

نقلاً عن الحياة اللندنية

الجريدة الرسمية