رئيس التحرير
عصام كامل

الاستسلام للهزيمة


حين تقف قابعًا فى مكانك تشاهد وتتفرَّج خلف ستارة نافذتك، تتساقط أمامك أوراق الأحزان شاحبةً تدوسها الأقدام، وأوجاعًا تتفجَّر غضبًا طالت شظاياها الآفاق، وخُطاً تتعثَّر بسيلٍ من الانكسارات، وأقدامًا حافيةً أدماها السَّير على الأشواك، وشلاّلاً من الدُّموع تذرفها أعينٌ ثكلى لم يهزمها بركان الغدر، فجَرَت دماؤها كالنهر سيّالاً، وأنت مع ذلك مازلت كالصخر صامدًا على مرِّ العصور والأزمنة، صوتك مبحوحٌ يصعد من عمق البحر، ونفسك من الظًّلم تجمع أعمدة الصّبر، وتمدًّ يدك الجرحى تلملم أشلاء ذكرياتٍ هى كلًّ ما تبقّى لك، وماذا تبقّى لك وأنت حبيسٌ بالهموم مغمورٌ بالمحن..

وماذا تبقّى لك وقد خارت شجاعتك واستسلمت بسالتك فى سجن حياةٍ مشحونةٍ بالغضب، مشحونةٍ بالعذاب والقهر .. وماذا تبقّى لك سوى قشٍّ يُكنس من المنازل، وأوراق خريفٍ مبعثرة..
وماذا تبقّى لك سوى متاعب التِّرحال وغربة السفر، تظلًّ تنتقل كالطير بين غصنٍ وشَجَر، وعيونك دامعاتٍ مقهوراتٍ تذرف الدمع سخيًّا، يجرى على وجنتيك كحبّات مَطَر..
وماذا تبقّى لك وأنت فى هذا اليأس والإحباط فى نحيبٍ مستمر، تنشد رواحل الكرامة والعزِّ والشَّرف، لكنَّها بيعت بأرخص الثّمن، وغاب الضمير واندثر مع التُّراب ورحل..
ماذا تبقّى لك وقد انطفأ بريق الأمل فى عينيك، ومصباح العقل كالشَّمع احترق، وشعلته تذيبها بلا عمل.. ماذا تبقّى لك إلا أن تمكث بمكانك تشاهد وتتفرَّج من أعلى القمم، فتصغر فى عينيك كتبان الرِّمال، تشقُّها مواكب الخيل والجمال، فلا ترى فرسانًا تمتطيها ولا سواعدَ ولا هٍمَم، لا ترى إلا نفسك فى منفاك ضعيف النَّظَر، مهاجرًا نأى عن وطن..
الجريدة الرسمية