ليس هناك إلا الحب فقط
بمناسبة عيد الحب كتب الشاعر صلاح عبدالصبور مقالا فى ٢٧ فبراير ١٩٥٨ بمجلة صباح الخير مقالا بعنوان «ليس هناك حب الروح وحب الجسد هناك الحب فقط» يقول فيه: حين تصبح إنسانا تستطيع أن تمارس الحب، الإنسان آله مكونة من أجزاء هامة وأجزاء أقل أهمية، فالأجزاء الهامة كالرأس والقلب إذا فسدت فليس لها قطع غيار ولا يمكن أن تسير الآلة بدونها، والدم بعد ذلك هو زيت الآلة الذى إذا فرغ أو احترق توقفت الآلة.
وقد استفاد الإنسان من رحلته الطويلة فى العالم قوتين جديدتين هما قوة الخبرة التى نسميها العقل وقوة الحركة التى نسميها الغرائز، والجسم بلا خبرة أو حركة هو فى الواقع مشروع إنسان، وإذا اكتسب العقل والحركة أصبح إنسانا يستطيع ممارسة الحب.
وما تهدف إليه حركة الإنسان هو أن يحفظ النوع البشرى، والحب بكل ما أحيط به من هالات واساطير حركة جسدية تهدف حفظ النوع الذى هو أسمى الحركات الإنسانية، وكان يجب لكى تتم عملية التوالد أن نقسم البشر إلى ذكر وأنثى وهما شريكان فى العبء والمسئولية.. ولابد أن يزدوج كل اثنين لكى يمارسا هذه المسئولية وأن يختار كل منهما الآخر.
والاختيار شرط الحب والحب إذًا هو أن يختار جسمان يسيران كل منهما الآخر بمحض حريتهما لكى يمارسا الحركة الإنسانية.
وتاريخ الحب هو تاريخ تنظيم عملية الاختيار والازدواج وبعد كثير من التخبط فى سبيل تنظيم هذه العملية اهتدى الإنسان إلى أن المظهر الملائم هو الزواج وسوف يكون الجيل القادم أسعد منا حالا لأنه سيختار فى حرية.
ليس الحب إذا وهما أو تصوفا وليس لهوا أو مرحا أو سهر الليالى أو البكاء، لكنه نشاط الجسد الإنسانى لتدعيم الحياة، إننا نعيش ونتنفس ونكتب ونعمل ونقاتل ونموت لكى نحفظ النوع.. لكى نحب، ومن العبث إذا أن نتحدث عن الحب الجسدى والحب الروحى، وأيهما مشروع وأيهما غير مشروع لأننا خلال رحلتنا قد ألقينا بكلمة الروح والحب الروحى من النافذة، فهى خرافة اسمها جيل إلى جيل وهى محنطة مكفنة مع خرافات أخرى صغيرة وأصبح ليس فى الدنيا إلا كلمة واحدة هى الحب.
والحب المشروع هو ما يهدف إلى تدعيم الحياة وغير المشروع بهدم الحياة ولما كانت الأسرة هى ضمان استمرار الحياة فالحب الذى يبنى الأسرة حب مشروع والذى يهدم حب غير مشروع ولذلك فالرجل والمرأة اللذان يتقاربان من أجل حفظ النوع يمارسان حبا مشروعا، أما الرجل الذى يتسلل إلى أسرة يهدم أو المرأة التى تتنزع رجلا من أسرة منهما لصان من أخطر أنواع اللصوص لأنهما يسرقان الحياة.
وأخيرا إن الذين يمارسون لحظة استمرار الحياة دون زواج فهم عابثون وهؤلاء فاتهم أن الحب ليس غاية فى حد ذاته لكنه وسيلة لحفظ النوع وتدعيم المجتمع، وذلك الحب هو ينبوع الحياة السعيدة ودليل نضج الإنسان ورعيته فى أن يرد الحياة بعض ما استلفه منها.