رئيس التحرير
عصام كامل

تداعيات الصراع السوري على فرص الحل للأزمة.. دمشق تعيش مرحلة الاستنزاف المتبادل ولم تنتقل لمرحلة الحسم.. «الأسد» يبالغ بحديثه عن اقتراب انتهاء الصراع.. والنظام يتجه لإجراء الانتخابات منتصف ال


أصدرت وحدة تحليل الأزمات بالمركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية تقريرا حول "تداعيات تصاعد الصراع على فرص الحل السياسي للأزمة السورية"، أكدت خلاله على أنه وعلى الرغم من نجاح نظام بشار الأسد، في الفترة الأخيرة في تحقيق مكاسب استراتيجية عديدة، إلا أن هذا لا يعني تزايد قدرته على إنهاء العملية العسكرية، خاصة أن الوضع في سوريا لم ينتقل بعد من مرحلة الاستنزاف المتبادل إلى مرحلة الحسم.


وأشار التقرير إلى أن نجاح قوات نظام الرئیس السوري بشار الأسد في استعادة السیطرة على مدینة معلولة بشمال دمشق، بمثابة تطور یبدو أنه سوف یفرض تداعیات جدیدة على الصراع المسلح بین القوات النظامیة وقوى المعارضة المسلحة، أهمها تعزیز سیطرة القوات النظامیة على منطقة القلمون الاستراتیجیة، وتأمین الطریق بین دمشق وحمص، التي یقترب النظام من السیطرة عليها، فضلا عن السیطرة على الحدود بین سوریا ولبنان.

وأوضح التقرير أن الملفت للانتباه في ھذا السیاق، أن ھذه التطورات الجدیدة تتزامن مع التصریحات التي أدلي بها كل من الرئیس السوري بشار الأسد والأمین العام لحزب الله حسن نصر الله، والتي تفید باقتراب انتهاء الصراع المسلح في سوریا لصالح النظام وحلفائه.

ويشير التقرير إلى أن هذه التصریحات یبدو مبالغا فيها، سواء لعدم قدرة النظام السوري على حسم الصراع بشكل تام، ومن ثم السیطرة على كامل أو معظم الأراضي السوریة، رغم الانتصارات النوعیة التي حققها مؤخرا، أو لأن أطرافا دولیة وإقلیمیة عدیدة بدأت في رفع مستوى دعمها لقوى المعارضة "المعتدلة" في الفترة الأخیرة.

ويؤكد التقرير على أن النظام السوري يسعى في الآونة الأخیرة إلى تحقیق مكاسب نوعیة على المستویین السیاسي والعسكري، فإلي جانب اقتراب سیطرته الكاملة على منطقة القلمون الاستراتیجیة، التي تعني في الوقت نفسه حرمان قوي المعارضة المسلحة في ریف دمشق من قاعدة خلفیة اعتمدت علیها في الآونة الأخیرة في مواجهاتها المستمرة مع النظام، فإنه یتجه، حتى الآن، إلى إجراء الانتخابات الرئاسیة في منتصف العام الحالي، وهو ما یمثل تحدیا قویا للمجتمع الدولي الذي یدعو إلى تنحي الرئیس بشار الأسد وتشكیل هیئة حكم انتقالیة تتولي إدارة شئون الدولة حسب ما جاء في بنود مؤتمر "جنیف ۱".

ويرى التقرير أن إصرار النظام على التصعید في الوقت الحالي یطرح دلالتین مهمتین: الأولى، أن الأسد یحاول استثمار التوتر المتصاعد في العلاقات بین روسیا والغرب، خاصة حول الأزمة الأوكرانیة، لتحقیق مكاسب استراتیجیة جدیدة تعزز موقعه في مواجهة قوي المعارضة، مستفیدا في الوقت نفسه من الدعم المتواصل من جانب إیران التي بدت حریصة في الفترة الأخیرة على تأكید دورها في مساعدة النظام السوري على استعادة زمام المبادرة من جدید، بدءا من السیطرة على مدینة القصیر الاستراتیجیة في منتصف عام ۲۰۱۳، ففي ھذا السیاق، أشار قائد القوات الجویة التابعة للحرس الثوري العمید أمیر على حاجي زادة إلى أن "صمود النظام السوري یعود إلى الدعم الذي قدمته له إیران عبر حزب الله".

ويكمل التقرير: "لكن اللافت للانتباه أیضا هو أن نظام الأسد یبدو متابعا للجدل المتصاعد في بعض الدوائر الغربیة حول ضرورة فتح "قنوات تواصل" معه، والذي انعكس في تأكید بعض المسئولین الغربیین السابقین على أن بقاء النظام السوري هو "الخیار الأقل سوءا"، مثل رایان كروكر السفیر الأمریكي الأسبق في سوریا، الذي أشار إلى أن "الحاجة لفتح حوار مع نظام الأسد تبدو أكثر من ماسة" في الوقت الحالي. وبدون شك، فإن الأسد یعتبر ذلك علامة ضعف في موقف المجتمع الدولي، یسعي إلى استثمارها بهدف تعزیز مركزه السیاسي أمام قوي المعارضة المسلحة.

أما الدلالة الثانیة فيشير التقرير إلى أن هذه الخطوات تضعف بشكل كبیر من احتمالات انعقاد جولة مفاوضات جدیدة في جنیف في المستقبل القریب، سواء لجهة أن المكاسب الجدیدة یبدو أنها أقنعت النظام بأنه لیس بحاجة إلى إطار تفاوضي جدید في الوقت الحالي، یستطیع من خلال كسب مزید من الوقت، أو لجهة أن إصرار النظام على إجراء الانتخابات الرئاسیة سوف یدفع المعارضة إلى رفض الذھاب إلى "جنیف ۳" على اعتبار أن تلك الخطوة تفرغ بنود "جنیف ۱" من مضمونها.

ويذهب التقرير إلى أنه وعلى الرغم من ذلك، لا یمكن الحدیث عن أن النظام السوري نجح في حسم الصراع المسلح مع المعارضة، وذلك لاعتبارات عدیدة أھمها أن الظروف الدولیة في الوقت الحالي لن تسمح بذلك، فرغم الدعوات الغربیة المتعددة لفتح حوار مع النظام السوري، ورغم إصرار الغرب على الوصول إلى تسویة نهائیة للأزمة النوویة الإیرانیة، فإن ذلك لن یدفع الغرب إلى السماح بانهیار قوي المعارضة بشكل كامل، خاصة في ظل اتساع نطاق الخلافات مع روسیا حول الأزمة الأوكرانیة.

ويوضح أن إرهاصات تغيیر الموقف الدولي بدأت إزاء قضیة تسلیح قوي المعارضة "المعتدلة" في التبلور تدریجیا، حیث بدأت تقاریر عدیدة في الإشارة إلى اتجاه الولایات المتحدة الأمریكیة نحو تقدیم مساعدات نوعیة إلى قوى المعارضة السوریة "المعتدلة" سواء على مستوي التسلیح أو التدریب، بهدف الحیلولة دون تمكین النظام من توسیع نطاق سیطرته وتحقیق مزید من الانتصارات النوعیة.

ويشير التقرير إلى أنه قد بدا لافتا أیضا مسارعة واشنطن إلى الرد على تصریحات الأسد التي أكد فیها على أن "مرحلة العمل العسكري ستنتهي العام الحالي" في إشارة إلى المكاسب الأخیرة التي حققتها القوات النظامیة، حیث قالت المتحدثة باسم الخارحیة الأمریكیة: إنه "سیكون من الخطأ الاعتقاد بأن كفة الانتصار في میزان الحرب تمیل لصالح الأسد". فضلا عن ذلك، فإن قوي المعارضة ما زالت قادرة على فتح "ثغرات" في المناطق التي یسیطر علیها النظام، بشكل یشیر إلى قدرتها على إرباك خطط الأخیر ومساعیه لتوسیع المساحة التي یسیطر عليها.

وينهي التقرير بالتأكيد على أنه ومع أن تلك التطورات في مجملها تقلص من أھمیة وزخم فكرة "الحل السیاسي" للأزمة السوریة، على الأقل في المرحلة الحالیة، فإنها لا تزید، في المقابل، من احتمالات انتهاء المواجهات المسلحة لصالح أي من الطرفین خلال المستقبل القریب، لا سیما أن الصراع لم ینتقل بعد من مرحلة "الاستنزاف المتبادل" إلى مرحلة "الحسم".
الجريدة الرسمية