أيام في حضن الوطن
"تجديد الثقة في مبارك رئيسًا للحزب الوطني الحاكم".. كان ذلك هو آخر عنوان قرأته بالصفحة الأولى لجريدة الأخبار بجوار صورة كبيرة لمبارك وأنا على الطائرة قادمًا إلى كندا، بعد آخر زيارة لي بالقاهرة في نوفمبر عام 2007.
بينما "تجديد حبس مبارك على ذمة قضية القصور الرئاسية" وأيضًا بجوار صورة كبيرة لمبارك كان هو عنوان الصفحة الأولى لجريدة الأخبار في زيارتي الأخيرة لمصر الأسبوع الماضي، أي بعد ستة سنوات من الغياب عن الوطن. أمور كثيرة تغيرت هناك، فمن رئيس يحكم منذ ثلاثة عقود، إلى ثلاثة رؤساء في ثلاث سنوات. من حزب وطني كنا تحت "حكمه"، إلى حزب وطني لم يعد سوى مبنى تم "حرقه".
الحالة الأمنية تغيرت عن سنوات مضت، فالسفر بين المدن وعلى الطرق السريعة وغير المضيئة ليلًا لم يعد كما كان منذ سنوات بل أصبح مخاطرة. التغيير لم يطل مؤسسات الدولة فقط بل طال الكنيسة القبطية أيضًا، فمن ستة أعوام كان مثلث الرحمات "البابا شنودة الثالث" يجلس على الكرسي المرقسي، والآن أصبح قداسة البابا تواضروس الثاني البطريرك الـ 118، والذي تشرفنا بمقابلته والجلوس مع قداسته لمدة طويلة، لنجد نفس البشاشة والمحبة والحكمة في القول والفعل والتي كانت لسلفه قداسة البابا شنودة، وكأن تلك الصفات عطايا إلهية لأي من يجلس على ذلك الكرسي العظيم.
كان من الطبيعي أن تكون متوجسًا بعض الشيء وأنت عائد إلى وطن كل ما يأتي عنه من خلال الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، ليس سوى جرائم قتل، سرقة، بلطجة، اغتصاب، حوادث طرق، حوادث ثأر، ولكن أكتشف أن الأمر أكبر بكثير من برامج "التوك شو" ومدينة الإنتاج الإعلامي وأشمل من موقعي "فيس بوك" و"تويتر" اللذين تري بهما جزءا معتما ضئيلا من حياة المصريين، بينما هناك حياة كما هي لم تتغير، هناك شعب ما زال يحتفظ بالسهر حتى الصباح، وخفة الدم المصرية التي لا تنقطع سواء في الحديث أو حتى ما يُكتب على السيارات من الخلف. الحالة المرورية تغيرت للأسوأ ومازالت قيادة السيارة والسير في الشوارع جزءا لا يتجزأ من خفة دم المصريين.
وقد تشرفت بدعوة من "المركز المصري لحقوق الإنسان" مع المستشارة "تهاني الجبالي" والبرلماني "محمد أبو حامد" للحديث عن دور المصريين في الخارج في دعم 30 يونيو، وألقيت محاضرة عن الجالية المصرية في كندا كنموذج مشرف للانتماء والعمل لوطنهم الأم، كما تقابلت مع مجموعة رائعة من النشطاء والصحفيين. وهناك علمت كيف يستنجد بنا المصريون في الداخل فهم فعلوا ما يمكنهم فعله، هم نزلوا في الشوارع وناموا في الميادين، وأسقطوا نظامين أحدهما فاسد والآخر فاشي، وتحملوا فترات انتقالية وحكومات تسيير أعمال فاشلة وإرهاب إخواني.
وجاء الدور الأهم للمصريين في الخارج وذلك بالضغط على ممثليهم بالبرلمانات الغربية لحظر جماعة الإخوان والتي تروعهم في الداخل، وأمامنا الفرصة هنا في كندا عبر الانضمام للمنظمات الحقوقية المصرية الكندية ودعمها لإصدار قرار برلماني يقضي "باعتبار جماعة الإخوان جماعة إرهابية" والذي أصبح قاب قوسين أو أدنى، فهذا القرار سيكون له تأثير في الداخل المصري غاية في الأهمية، فتلك الجماعة تمثل عقبة على طريق الأمن والاستثمار والسياحة والاستقرار في مصر. كذلك علينا المصريين في الخارج زيادة التحويلات إلى الوطن الأم، فمصر الآن "جريحة" تعبر منحنيات اقتصادية صعبة، وتحتاج أشد الاهتمام من أبنائها في الخارج حتى تتعافي، وستتعافي فمصر دولة عظيمة، مباركة، لا تموت .