«تداول السلطة» لتفادي مصير «الربيع العربي».. أزمات حقيقية تواجه الأنظمة في الجزائر والعراق وموريتانيا والسودان وسوريا.. الشيخوخة السياسية أخطر عقبات التغيير.. والمعارضة فشلت في تقد
أصدرت وحدة التحولات الإقليمية الداخلية، بالمركز الإقليمي للدراسات، دراسة حول "إشكاليات تداول السلطة في "الأنظمة الناجية" من الثورات بالمنطقة العربية أكدت خلالها على أن مستقبل تداول السلطة في الدول العربیة التي نجحت أنظمتها السیاسیة في تفادي الثورات الشعبیة یواجه أزمة حقیقیة، ويسير في اتجاه نحو مزيد من الجمود.
وقال التقرير إن الأنظمة السیاسیة العربیة التي تمكنت من تفادي الثورات الشعبیة، أو ما یمكن تسمیته بـ"الأنظمة العصیة على السقوط"، تواجه أزمة حقیقیة تتمثل في عدم قدرتها على السیر في إطار ترتیبات انتقال أو تداول السلطة بشكل سلس، على الرغم مما أبدته من مرونة في مواجهة موجة المد الثوري التي اجتاحت دولا عدیدة بالإقلیم منذ بدایات عام ۲۰۱۱ وحتى المرحلة الراهنة.
وأوضح التقرير أن مؤشرات تعثر تداول السلطة تتعدد بین الإبقاء على الشیخوخة السیاسیة في قمة هرم السلطة، وطرح فكرة تمدید الولایات الرئاسیة، والتضییق المستمر على المعارضة المناوئة، والاستحواذ السیاسي، والتهمیش الطائفي، ذلك في الوقت الذي تنتشر فیه بیئة خصبة تعرقل مسارات تداول السلطة في المنطقة العربیة، خاصة فیما یرتبط بتعقیدات المراحل الانتقالیة لدول الثورات العربیة، والخبرات التاریخیة المتعلقة بمخاضات التغییر، وضعف المعارضة السیاسیة، وعدم قدرتها على صیاغة رؤیة موحدة لمرحلة ما بعد سقوط الأنظمة القائمة.
ويعدد التقرير مؤشرات تعثر عملیة تداول السلطة في الأنظمة العربیة "الناجیة" من الثورات الشعبیة، ومن بينها تكریس الشیخوخة السیاسیة في قمة هرم السلطة، والتي تشكل فيها حالة الجزائر مثالا بارزا لذلك، موضحا أنه على الرغم من أن الرئیس عبد العزیز بوتفلیقة كان قد أعلن عدم ترشحه لدورة رابعة على خلفیة موجات الاحتجاجات الثوریة التي اجتاحت المنطقة، إلا أنه سرعان ما غیر موقفه، مدفوعا من قیادات سیاسیة داخل النظام، خاصة قیادات حزب "جبهة التحریر الوطني" الحاكم.
ويتمثل التعقيد الثاني في تمدید فترات الولایات الرئاسیة، معتبرا أن سوریا النموذج الأبرز لذلك، فقد تمكن نظام الرئیس السوري بشار الأسد من البقاء في السلطة حتى الآن رغم دخول الثورة السوریة عامها الرابع، بل إنه یتجه حالیا إلى التمدید لولایة الرئیس، لا سیما مع تزاید تعقد الأوضاع العسكریة، وعدم قدرة قوى المعارضة المسلحة على حسم الصراع، بالتزامن مع قرب موعد الانتخابات الرئاسیة المقرر إجراؤها في یونیو ۲۰۱٤.
أما المؤشر الثالث فيتمثل وفقا للتقرير في التضییق على المعارضة المناوئة، التي یفترض أنها قادرة على توفیر بدیل سیاسي للنظام القائم، وهو ما يبدو واضحا في حالة موریتانیا، حیث قامت السلطات، في ۸ مارس ۲۰۱٤، بإغلاق "جمعیة المستقبل للدعوة والثقافة والتعلیم" المركزیة في نواكشوط وجمیع فروعها في البلاد، والحجز على كافة ممتلكاتها المنقولة والثابتة، وهى جمعیة یترأسها محمد الحسن ولد الددو نائب رئیس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمین، وتمثل الذراع الدعوية لجماعة الإخوان المسلمین في موریتانیا، حیث اتهمتها الحكومة بخرق نظم وقوانین الجمعیات من حیث التمویل والتدخل.
رابع المؤشرات تتمثل في الاستحواذ الطائفي، حیث تقف مسألة تمكین بعض الطوائف على حساب استبعاد البعض الآخر في بعض الدول العربیة حائلا أمام عملیات انتقال وتداول السلطة، ویأتي في مقدمة تلك الدول العراق، فمع بدایة الاحتلال الأمریكي تم تمكین الشیعة من السیطرة على مفاصل الدولة العراقیة، وتهمیش السنة واستهدافهم في كثیر من الأحیان في إطار عملیات استبعاد ممنهجة تحت رعایة ائتلاف "دولة القانون" بقیادة رئیس الوزراء نوري المالكي، وهو ما أدى إلى اندلاع أزمات سیاسیة متتالیة وتصاعد حدة الاحتجاجات الطائفیة والاجتماعیة.
ويرجع التقرير تعثر تداول السلطة في الأنظمة العصیة على السقوط في المنطقة العربیة، لعدة أسباب.. سیاسیة وأمنیة واجتماعیة واقتصادیة، بينما یأتي في مقدمتها تعقیدات المراحل الانتقالیة، فقد واجهت دول الثورات حزمة من الأزمات ساهمت في ضعف رغبة الشعوب في التغییر، مثل تدهور الأوضاع الأمنیة بشكل نسبي من دولة إلى أخرى، واتساع نطاق العنف، وعدم قدرة الأجهزة الأمنیة على الحد منه، فضلا عن التدهور الاقتصادي الذي حدث مع انخفاض المؤشرات الاقتصادیة والتنمویة في مختلف دول الثورات خاصة مصر والیمن وتونس ولیبیا.
ويرى التقرير أن ضعف المعارضة وعدم فعالیتها داخل غالبیة تلك الدول، سببا آخر، مشيرا إلى عدم القدرة على بلورة رؤیة واضحة حیال الأزمات المتكررة، أو حتى على التوحد خلف بدیل سیاسي واحد، وهو ما تجلى بشدة في حالة المعارضة الجزائریة التي لم تتفق على موقف موحد حیال إعادة ترشیح بوتفلیقة، فيتجه بعضها، خاصة القوى الإسلامیة، إلى المقاطعة، في الوقت الذي تؤكد فیه قطاعات واسعة من المعارضة اللیبرالیة على المشاركة.
ويعتبر التقرير أن نفس هذا الأمر یتكرر في حالة المعارضة في شمال السودان التي لا تتبنى موقفا موحدا في التعامل مع نظام الرئیس عمر البشیر.
ويرى التقرير أن غیاب ثقافة التغییر داخل العدید من الدول العربیة، والذي یرتبط بشكل مباشر بخبرات تاریخیة سیئة، ساهم في عرقلة مسیرة تداول السلطة، وهو ما يبرز في حالة النموذج الجزائري إذ أن التغییر مرتبط بشكل كبیر، في عقلیة الجزائریین، بوصول الإسلامیین إلى الحكم.
ويشير التقرير إلى اتجاه بعض قوى المعارضة في العدید من الدول العربیة إلى تطویر آلیات جدیدة لمواجهة تعثر عملیات انتقال السلطة مثل: تأسیس حركات مناهضة لإعادة الترشح، وتعتبر حالة الجزائر من أبرز أمثلة ذلك، فبمجرد إعلان الوزیر الأول السابق عبد المالك سلال، في بدایة مارس ۲۰۱٤، عن نیة الرئیس بوتفلیقة الترشح لمدة رابعة؛ تشكلت حركة "بركات"، التي تعني "كفى"، لرفض هذا القرار، إضافة إلى مقاطعة الاستحقاقات الانتخابیة، فضلا عن انتشار الجماعات المسلحة المناوئة للنظام السیاسي، وهو ما یبدو جليا في حالتي سوریا والسودان.
فقد أصبحت الساحة السوریة تعج بالحركات المسلحة التي تسعى إلى إسقاط النظام مثل "الجیش السوري الحر"، و"جبهة النصرة"، و"داعش"، كما انتشرت الجماعات المسلحة المعارضة لنظام البشیر في مختلف أرجاء السودان، مثل تحالف "الجبهة الثوریة السودانیة" (كادوا) الذي یضم "الحركة الشعبیة- قطاع الشمال" وثلاث حركات مسلحة في دارفور، والذي وضع مسألة إسقاط النظام بكل السبل سواء سلمیة أو غیر سلمیة هدفا مركزیا له.
وينتهي التقرير إلى أن مستقبل تداول السلطة في الدول العربیة التي نجحت أنظمتها السیاسیة في تفادي الثورات الشعبیة یواجه أزمة حقیقیة؛ إذ یسیر بشكل واضح في اتجاه مزید من التجمد، وذلك لوجود حزمة كبیرة من المسببات الموضوعیة والبنیویة، في الوقت الذي تقف فیه قوى المعارضة مكتوفة الأیدي بافتراض أنها تمثل البدیل الحقیقي للأنظمة القائمة، في مواجهة محاولات تلك الأنظمة البقاء في السلطة.