«البدون الكويتيون» ورحلة البحث عن هوية.. يؤكدون حقهم بالحصول على الجنسية ويناضلون من أجلها.. الدولة تعتبرهم دخلاء ويصعب استيعابهم في النسيج الوطني.. وآخر تقرير للدولة يؤكد تجاوزهم ١١١ ألفا
"وطني لو شُغِلتُ بالخُلدِ عنّه ... نازعتني إليه في الخُلدِ نَفسي"، بهذا البيت عبر أمير الشعراء أحمد شوقي عما يدور في خواطر كل عن وطنه، فالوطن يحتل في النفس مكانة لا ينازعها غيره، لكن ماذا إن رفض الوطن حتى الاعتراف بمواطن وحقه في المواطنة، هذا حال كثير من مواطني الخليج العربي الذين يعيشون بدون هوية، بدون جنسية، في المملكة السعودية، والإمارات، ويبرز وضعهم في قطر، إلا أن الحالة الأكثر حضورا وظهورها هو وضع البدون الكويتيين، الذين يناضلون طويلا للحصول على جنسية وطن يعيش فيهم.
قبل أيام خرج الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع البدون بدولة الكويت ليقول بأن المسمى الرسمي الذي لابد أن يتم تداوله لهذه الفئة هو «المقيمون بصورة غير قانونية» وان أي مسمى آخر لا ينطبق عليهم، وذلك وفقا لصحيفة محلية كويتية، موضحا أن العدد الإجمالي للمقيمين بصورة غير قانونية خلال عام 2013 وصل ما يقارب 111.366 فردًا.
والبدون أو غير محددي الجنسية، أو مقيم بصورة غير شرعية هم فئة سكانية تعيش في الكويت ولا تمتلك الجنسية الكويتية.. ويعود السبب في تسمية البدون بهذا الاسم، وفقا لتقديرات، للفترة بين خمسينيات وثمانينيات القرن الماضي، حيث تدرج مسماهم في الوثائق الرسمية من "غير كويتي"، ثم "بدون جنسية"، ثم، "مقيم بصورة غير شرعية".
وتعود أصول نسبة كبيرة من البدون إلى بدو رحل سكنوا الجزيرة العربية، منذ آلاف السنين، والنسبة الأخرى وفقا لمصادر حكومية قدموا من بلدان أخرى وأخفوا وثائقهم.
ومنذ بداية الستينيات وبعد حصول دولة الكويت على الاستقلال قامت الحكومة الكويتية بمعاملة أبناء فئة البدون معاملة الكويتيين باستثناء التمتع بالحقوق السياسية، كانت الدولة تتعامل مع هذه الفئة "البدون" على أنهم أمر واقع في البلاد حيث تم انخراط الكثير منهم آنذاك في السلك العسكري في الجيش والشرطة وفي الوظائف الحكومية الأخرى فضلا على أن المقيمين بصورة غير قانونية "البدون" كان يتم تمييزهم في التعامل من قبل الدولة عن الجنسيات العربية الأخرى المقيمة في البلاد وتم بالفعل تجنيس عدد منهم خلال تلك الفترة.
وتشير التقارير إلى أنه ومنذ منتصف الثمانينيات بدأت سياسة الحكومة الكويتية بالتغير تجاه فئة الكويتيين البدون وأصبحت تميل أكثر للتضييق عليهم، وبالرغم من ذلك شارك بعض البدون في الدفاع عن الكويت، خاصة أن قطاعا كبيرا منهم يعمل في الخدمة العسكرية، ومنهم من أستشهد ومنهم من أخذ أسيرا لدى العراق ومنهم من خرج مع القوات الكويتية إلى السعودية ودخل مع قوات التحالف في حرب تحرير الكويت.
يقول الشيخ عبد الله الجابر الصباح وزير الدفاع الكويتي في تلك الفترة أن نسبة البدون في الجيش الكويتي الذي شارك في حرب تحرير الكويت بلغت 80% من الجيش الكويتي ومنهم أعداد قليلة ممن شارك مع الجيش العراقي ضد الكويت وألتحق في صفوف الجيش الشعبي العراقي تحت تهديد السلاح.
وتزامنا مع رياح الربيع العربي خرج البدون في تظاهرات مطالبين بحقهم في التجنيس، والحصول على جنسية وطن فتحت أعينهم عليه وأصبحوا يتنسمون هواءه، وكان "عبد الحكيم الفضلي" أشهر البدون الداعين إلى تظاهرات من أجل الحصول على حقوقهم، بل ويعتبر أكثر البدون جرأة وحماسه لقضيته الأمر الذي جعله يتعرض للسجن، لكن هذا لم يردعه عن المطالبة بحقه، قبل أيام أخلت محكمة كويتية، سبيل الفضلي بلا ضمان، وأرجأت نظر الدعوى إلى جلسة 13 مايو القادم، بعد احتجازه منذ أواخر فبراير وسط اتهامات بالتحريض على سلسلة تظاهرات نظمها "البدون"،حيث اعتقل وشقيقه من قبل رجال الأمن على خلفية اتهام بالتحريض على التجمهر، والاعتداء على رجال الأمن والاشتراك في التجمهر وإتلاف مركبات.
وكانت هذه التظاهرات التي جرت قبل شهرين تتم بصورة يومية لمطالبة الحكومة الكويتية بتسريع إجراءات حل قضيتهم.
ويرى الجهاز المركزي للبدون أن "هذا الكم والنوع من المقيمين بصورة غير قانونية في البلاد بما يشمل جنسيات متعددة، قد يصعب معه تحقيق الانصهار والاندماج التكاملي المتفاعل لكل هذه الأعداد في المجتمع الكويتي على النحو المأمول منوها إلى أن هذا الأمر قد يشكل خطرا على الهوية الوطنية وتهديدا لمقوماتها وثوابتها".
ولا تزال برغم ذلك القضية مفتوحة مابين مواطنين بدون جنسية، يرون أن لهم الحق بالحصول على هوية وطن يحتضنهم، وبين دولة ترى عوامل أخرى في التعامل مع هذه الشريحة من المواطنين، عديمي الجنسية "البدون".