الحاكم القدوة
ما يحدث في مصر الآن من تمسك شعبها بالمشير السابق السيد عبدالفتاح السيسي ليس جديدًا، فالشعب المصري العريق يتميز بقرون استشعار تدله وتوجهه للمسار الصحيح في أحلك المحن، وشواهد التاريخ كثيرة لم يضل الشعب المصري خلالها طريقه ولم يندم على اختياره، وأحد الأمثلة اختيار محمد على الكبير.
فقد اختاره الشعب وبايعه أعيان البلاد بعد أن ثار الشعب على سلفه خورشيد باشا، خاض محمد على حربًا داخلية ضد المماليك والإنجليز وكذلك حربًا خارجية فقد تولي مع بداية القرن التاسع عشر وهو قرن تحولات عالمية وإقليمية وأثبت قدرته على مواجهة هذه التحديات، فكان رجل المرحلة الذي كاد أن يسقط الدولة العثمانية، كما استطاع أن ينهض بمصر عسكريًا وتعليميًا وصناعيًا وزراعيًا وتجاريًا بعد أن أنهي سلطة المشايخ والمماليك.
وقد كتب الراحل الدكتور يونان لبيب رزق مقالًا في جريدة الأهرام نقلًا عن مجلة الهلال الصادرة عام ١٨٩٣ عن محمد على باشا جاء فيه ما يستحق الوقوف أمامه عن الصفات التي كان يتحلي بها هذا الحاكم الذي تعتبره قدوة حسنة لأي من الحكام - فقد كان محمد على يكره التفاخر بالحاشية، فلم يكن على بابه سوى رجل واحد يحرسه، وكان كريم النفس سخي العطاء ولرعيته أبا حنونًا وصديقًا مخلصًا ونصيرًا، كما كان محترمًا من الأجانب البعيدين عنه وطنًا ودينًا- أما عن تربيته لأولاده فقد لقنهم حب الوطن والإخلاص له والذود عنه ورفع شأنه، وكان يساوي بينهم وبين عامة الشعب.
فعندما قصر أحد أحفاده «عباس باشا» وكان حاكمًا للغربية أنبه الباشا وطالبه بعدم تأخير المصالح حتى لا يعزله، وعندما أمر عباس ذات يوم بقتل خبازه بعث إليه يقول «إذا كانت هذه أفعالك في شبابك التي تشمئز منها الرعية فكيف يمكنك الحكم عندما تتولي؟ وهدده بمحوه وإزالته».
وعن تعاليمه لابنه سعيد بك وكان يدرس البحرية، أن يلتزم بأوامر معلمه وعدم الجلوس أمامه إلا بأمره والقيام بتعظيمه وقت المرور عليه، كما خصص لابنه مائة قرش راتبًا شهريًا له أسوة بالباقين من الطلاب، وقد دأب الباشا على حضور امتحانات أنجاله وأحفاده فإن قصر أحدهم أدبه، وكتب مرة لـ «سعيد» ابنه يدعوه لكثرة الحركة لعدم السمنة -أما الحدث الذي يدهش القارئ - أن محمد على رفض قبول رتبة البكوية لأحد أبنائه الممنوحة له من السلطان لأن هذا الابن لا يزال غير جدير في نظره لهذا الإنعام، ولم يأت بعد بعمل وطني يستحق عليه هذا التكريم وبناء عليه كتب للسلطان في تركيا يرجوه أن يصرف النظر عن هذا الإحسان.
وعندما علم أن أعمال القتل والسرقة قد كثرت في «البحيرة» كتب إلى حاكمها يقول: علمت بكثرة الجرائم في مديريتك وتسلط اللصوص على نواحيها وبذلك تكون قد «وسخت البكوية» فإما أن تزيل هؤلاء اللصوص من الوجود وأما أن أزيلك.
هذه بعض الصفات التي تحلي بها محمد على باشا والتي تجعل منه الحاكم القدوة.. وسينجح الشعب المصرى هذه المرة أيضًا فى اختيار رئيسه الذي سيعبر به أزمته الحالية.
وسينجح الشعب المصري هذه المرة أيضا في اختيار رئيسه الذي سيعبر به أزمته الحالية.