ثورة تحتضر.. وشعب يستغيث
يا ثورة ما تمت خدها الغراب وطار.. شبابها بيموت وعواجيزها على الكراسى بيتخانقوا..
هذه هى حقيقة المشهد السياسى الحالى الذى يوضح بكل قوة أن الثورة المصرية فى غرفة الإنعاش تحتضر وتكاد تلفظ أنفاسها الأخيرة ويتم إعلان وفاتها، فهى لم تحقق شيئا للشعب المصرى، أى شيء، بل بالعكس الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية تدخل مرحلة حرجة جدا تنذر بصراع قادم لا محالة، ومحنة كبرى سيعيشها المصريون، ومن الواضح أن الثورة المصرية انحرفت بشكل واضح عن أهدافها وتحولت من وجهة نظر البعض لكابوس ولعنة جعلت حياتهم أكثر بؤسا وشقاء، فلا شيء على أرض الواقع، الغياب الأمنى الواضح والتراجع الاقتصادى الذى ينذر بثورة جياع وإعلان إفلاس مصر، والشعور بسرقة السلطة، وأننا خرجنا من نظام ديكتاتورى لندخل فى نظام جديد استبدادى يقمع معارضيه ويسحلهم، ويعود بالبلاد لزمن الاغتيالات السياسية، فهل قامت فى مصر ثورة؟على الصعيد السياسى لن نتكلم على أداء الرئيس وحكومته الفاشلة فى تلبية رغبات المواطنين وتحقيق أهداف الثورة، بل سنبحر فى منطقة هامة وهى ترسانة القوانين التى تصدر من الرئاسة ومجلس الشورى هذه الأيام، وجميعها لاعلاقة له بالثورة المصرية، وأغلبها يعزز سيطرة الدولة وزيادة القبضة الأمنية والرقابة على الإعلام وغيرها من قوانين حماية النظام الجديد، وكان المتوقع هو مبادرة النظام الذى جاء لتطبيق شرع الله أن يبادر بتشريع حزمة من القوانين الخاصة بالعدالة الاجتماعية ورفع الظلم عن الفقراء والمساكين، وتحقيقا لأهداف الثورة المصرية.
على الصعيد السياسى الرئيس ونظامه يرسل رسالة للجميع، مصر سيحكمها تيار واحد وهو القادر على العبور للمناصب بكل قوة، سواء من خلال الصناديق أو التعيينات المباشرة، ومن سيحاول معارضتى سيتهم بالعمالة والخيانة وسيواجه بحملات التشكيك والتخوين والاغتيال المعنوى بكل الوسائل، وسيتم تفخيخ المعارضة من داخلها باستقطاب شخصيات بمناصب فى المجالس النيابية والوزارات، وتشكيل مجموعة من الأحزاب والجبهات الكرتونية التى فى ظاهرها معارضة وهى فى حقيقتها خارجة من رحم النظام لتنفذ ما يريد، فهل قامت الثورة ليسحق النظام معارضيه ويصنع بنفسه معارضته الجديدة، وكان الأجدر به صنع إنجازات على أرض الواقع تشعر المواطنين بتقدم، وتخرس المعارضة بدلا من السياسة الإقصائية الحالية.
على الصعيد الاقتصادى النظام الجديد فى مدة حكمه الأولى يعتمد بشكل واضح على سياسة القروض الخارجية والداخلية، فى محاولة لتبرير عجزة فى إيجاد سياسات بديلة لتدبير موارد جديدة تدخل الخزانة المصرية وتساعد فى رفع معدلات النمو الاقتصادى، بل مارست الحكومة العقاب الجماعى ضد المصريين عندما قررت فرض ضرائب على السلع والخدمات بشكل مبالغ فيه جعل حياة المصريين تزداد فقرا وبؤسا والمذهل أن الحكومة لا تبحث عن حلول سريعة للأزمة الاقتصادية، بل تتحدث عن خطط لسنوات طويلة ولا يعالجون السبب الحقيقى فى ذلك، بل يمارسون الكذب والتضليل من خلال إعادة افتتاح مشاريع قام بها النظام السابق كإنجازات لهم وتنفيذا للبرنامج الرئاسى.
على الصعيد الاجتماعى يزداد الفقر والبطالة وغياب الخدمات الصحية فى مصر بشكل كبير لدرجة حرق رجل لنفسه بعد أكذوبة ديوان المظالم التى اخترعها الرئيس ليحل مشاكل مواطنيه، والقائمة طويلة فى الإخفاقات الواضحة فى الملف الاجتماعى مثل الغياب الأمنى ودورة فى انتشار البلطجة والسرقة والقتل والتحرش فى الشارع المصرى، وكذلك شيء هام هو غياب العدالة فى التعيينات، والتدخل الواضح والصريح لتمكين رجال الإخوان المسلمين من مفاصل الدولة المصرية من خلال المسابقات الوهمية وإعلاناتهم الفاضحة، مثل الإعلان الشهير عن دعم الحرية والعدالة للتعيينات فى القضاء، فمتى كانت الأحزاب تتدخل فى التعيينات، والأهم هو عدم وضع معيار محدد لتقلد الوظائف فى مصر، فنرى وزراء ومحافظين وقيادات لا خبرة لهم ولا علم، ومؤهلهم الوحيد أنهم رجال الرئيس ومؤيدوه.
الثورة المصرية تحتضر والشعب يستغيث ويقاوم، ولديه الأمل فى غد أفضل ومستقبل حقيقى، ولكن السؤال الأهم لماذا نجحت الثورة المصرية فى الإطاحة بنظام مبارك وفشلت فى تأسيس دولة حقيقية قائمة على تعاون جميع الأطراف السياسية للعبور بمصر نحو الاستقرار والتنمية؟