فن قيادة الجماهير
قيادة الجماهير فن بالغ التعقيد، يزداد تعقيدًا وقت الأزمات. إذا ما كان القائد في مقدمة الجماهير وعلى بعد خطوات محدودة لا يجوز أن تبتعد كثيرًا حتى لا ينفصل عنهم، ولا يجوز أن يقترب كثيرا منها فتدفعه جماهير الشعب إلى حيث تريد.. وإذا اقترب أكثر منهم انقسمت الناس إلى تكتلات متطاحنة كل كتلة منها تدفع القائد إلى حيث تريد وهذا يفسر ظهور المطالب الفئوية والاضطرابات العمالية وتراجع الإنتاج لتعم الفوضى.
وهذا ما قد يواجهه في المرحلة المقبلة إذا ما انفصل القائد عن التكتلات الشعبية وفقد قدرته على القيادة. وقد يحدث العكس إذا اقترب أكثر مما يجب فانتقلت القيادة إلى تكتلات منفصلة متصارعة.
وفى حالة الأزمات والاضطرابات الأمنية والتطلعات الفئوية سنواجه أحد الموقفين الذي سيضاعف من الأزمات التي نواجهها الآن. وستعمل القوى الخارجية والتنظيمات الإرهابية على تزكية ذلك بكل ما تملكه من وسائل ومن مخططات خبيثة. لكن الأمل معقود أن تتولى القيادة إقناع الجماهير بحتمية الصبر والتضيحة وتحمل أزمات اقتصادية متوقعة إلى أن تخرج من عنق الزجاجة. ولابد من مصارحة الجماهير من موقع القيادة التي تتقدم بخطوات محدودة لتظل محتفظة بالقدرة على القيادة، دون أن تستسلم للجماهير المندفعة التي تفرض إرادتها على القيادة.
والتاريخ يروى لنا تجارب عديدة في هذا المجال منها ما واجهته الدول الأوربية خلال الغزو النازى والاحتلال الألمانى والهزائم السياسية والعسكرية. ومن أبرز ما يرويه تاريخ أوربا موقف ونستون تشرشل الذي كان نموذجًا في قيادة شعبه فسارت الجماهير خلفه وصبرت وواجهت الأزمات بشجاعة وتحقق النصر في النهاية.. وكان الجنرال ديجول نموذجًا آخر من نماذج القيادة الواعية خلال احتلال القوات النازية فرنسا.
ويبقى السؤال هل تستطيع القيادة المصرية ممارسة دورها في قيادة شعب مصر دون أن تنفصل عن الجماهير، ودون أن تتراجع فتدفعها الجماهير إلى انقسامات ومعارك فرعية تسفر عن فوضى عارمة؟
والسؤال الأصعب هل ينجح شعب مصر في مواجهة المواقف الصعبة التي عليه أن يواجهها؟ إن الأمل معقود على الشعب المصرى وقادته في تحقيق ذلك مثلما حقق من قبل معجزات أخرى.