رئيس التحرير
عصام كامل

التحولات المحتملة لسياسة بريطانيا تجاه «الإخوان».. المملكة المتحدة تتجه لحظر الجماعة.. لندن استقبلت القيادات بعد ثورة٣٠ يونيو.. وجهازا الاستخبارات «MI 5» و« MI6» يحققان ف


أصدرت وحدة العلاقات السياسية والإقليمية، بالمركز الإقليمي للدراسات، تقريرًا حول موقف بريطانيا من جماعة الإخوان المسلمين، في ضوء القرار الأخير القاضي بالتحقيق في أنشطة الجماعة، التي أعلنتها مصر جماعة إرهابية، وجاء التقرير تحت عنوان «التحولات المحتملة في سياسات بريطانيا تجاه جماعة الإخوان المسلمين».


ويقول التقرير إنه يمكن القول إن قرار الحكومة البریطانیة، في الأول من شهر أبریل الجاري بالتحقیق في أنشطة جماعة الإخوان المسلمین في بریطانیا وعلاقتها بالتطرف، یشیر إلى اتجاه لندن لإعادة النظر في سیاساتها تجاه الجماعة، على نحو قد لا یؤسس إلى تغیر هیكلي في سیاسات بریطانیا تجاه الجماعة، بقدر ما یؤدي إلى تكیفها مع المناخ الإقلیمي المعادي للإخوان في الشرق الأوسط، ولا یضر بالعلاقة التاریخیة مع الجماعة، والتي انعكست في منح بریطانیا اللجوء السیاسي لعدد من قیاداتها، ولا یناقض رغبتها في الحفاظ على صورتها كدولة لا تعادي قوى الإسلام السیاسي «المعتدلة».

ويشير التقرير إلى أن موقف الحكومة البریطانیة من قیادات الإخوان المسلمین المصریین في لندن ظل مثار جدل، خاصة مع وجود تقییمات لدى بعض المؤسسات الأمنیة، ترى أن هذه الجماعة «إرهابیة»، ومن ذلك تقییم الرئیس السابق لجهاز الأمن الخارجي البریطاني «MI6»، ریتشارد دییرلوف، الذي وصفها بأنها «في القلب هي منظمة إرهابیة»، ولكن ذلك لم ینعكس في السیاسات الحكومیة الرسمیة؛ حیث تم تصویر الجماعة على أنها الجناح المعتدل لقوى الإسلام السیاسي، واستفاد قادتها الموجودون في لندن من مناخ الحریات، للتعبیر عن أفكارهم ورؤاهم، ویبدو أن ما عزز هذا التصور هو عدم ممارسة الجماعة العنف في لندن حتى الآن، وإدانتها أعمال العنف التي مارستها جماعات إسلامیة أخرى، فضلًا عن مطالبتها بالدیمقراطیة وحمایة حقوق الإنسان.

ويوضح التقرير أنه من الملاحظ في ھذا السیاق، تزاید اعتماد قیادات الإخوان المصریین على لندن، بعد ثورة ۳۰ یونیو، حیث تحولت إلى ما یشبه مقرا لنشاطهم في أوربا، سواء على مستوى الاجتماعات التي یتم عقدها، أو على مستوى استفادتهم من الحریة الصحفیة هناك، فعلى سبیل المثال، تحولت صحیفة «الجاردیان» إلى نافذة یعبر من خلالها قادة الإخوان عن رؤیتهم للتطورات السیاسیة في مصر، كما طورت قیادات الإخوان شبكات تعاون مع عدد من المنظمات الحقوقیة العاملة، ومراكز الفكر والجماعات البحثیة في بریطانیا، بهدف نشر أفكار محددة حول الوضع السیاسي في مصر، وأصبح المقر الصحفي للجماعة موجودًا في شمال لندن.

ويقول التقرير إن اللافت سماح الحكومة للإخوان بالعمل في بریطانیا، حول الجماعة إلى عنصر جذب للمواطنین لاتباع أفكارهم، حتى أصبح هناك أتباع بریطانیون للجماعة، یؤمنون بأفكارها، ویدافعون عنها، كما تطورت نتیجة لذلك جماعة أكادیمیة في الجامعات ومراكز الفكر البریطانیة مؤیدة للجماعة، وتدافع عن مستقبلها السیاسي في مصر وغیرها من الدول العربیة.

ويؤكد التقرير أنه واستنادا لقرار الحكومة البریطانیة؛ سوف یشارك جهازي المخابرات البریطاني الداخلي والخارجي «MI5» و«MI6» في التحقیقات، في حین سیقود السفیر البریطاني لدى السعودیة جون جینكنز التحقیق، الذي سوف یتضمن أنشطة الجماعة في داخل بریطانیا وفي الدول العربیة، وعلاقة الجماعة بالأعمال المتطرفة والإرهاب والعنف، فضلا عن مراجعة فلسفة الجماعة، وأهدافها، والتحقیق في كافة الأنشطة التي تقوم بها، والتي تهدد المصالح الوطنیة لبریطانیا.

ويوضح التقرير أنه يمكن تحدید عدد من التحولات التي ستنتج عنها التحقیق الذي ستقوم به اللجنة الحكومیة، وهي تحولات تكیفیة، تسعى من خلالها لندن إلى التأقلم مع الوضع الجدید للإخوان في المنطقة، ویتمثل التحول الأول في بدایة انتقال بریطانیا إلى دولة "متوجسة" من الإخوان، فرغم أن التقدیرات الحالیة تشیر إلى أن تصنیف لندن للجماعة على أنها «جماعة إرهابیة» هو «ممكن» في إطار قانون مكافحة الإرهاب الصادر في 2000، ولكن غیر محتمل، إلا أنه من المتوقع أن یكون هناك تضییق على أنشطة الجماعة انطلاقا من لندن، وتأخذ بهذا التضییق دول أوربیة أخرى تنشط فيها الجماعة.

أما التحول الثاني فانصرف إلى موقف بریطانیا من النظام في مصر، حیث یؤسس إلى تراجع لندن عن مطالبها الخاصة بالمصالحة بین النظام وجماعة الإخوان المسلمین، وهو مطلب عبرت عنه من قبل الخارجیة البریطانیة، وسعت للتعبیر عنه من خلال الاتحاد الأوربي؛ حیث حاولت كاثرین آشتون الممثل الأعلي للشئون السیاسیة والأمنیة في الاتحاد التوسط بین الطرفین بعد ثورة ۳۰ یونیو، حتى إن لندن سعت إلى التواصل مع مؤسسات المجتمع المدني في مصر، بهدف الترویج لهذه الفكرة.

ويرى التقرير أن جماعة الإخوان المسلمین تدرك، أن تراجع الدعم الأوربي لها كجماعة «معتدلة»، وهو ما قد یترتب على حظر بعض أنشطتها، یزید من إضعافها في الداخل، ولذا اتجهت الجماعة في بیانها للحدیث عن استعدادها للتعاون مع الحكومة البریطانیة في التحقیق، في مسعى منها لتجنب التشدد، أو عدم التعاون مع الحكومة البریطانیة، وھو ما قد یكون له تأثیره على نتائج التحقیق.

ویتعلق التحول الثالث بسیاسات بریطانیا تجاه دول الخلیج، لا سیما الدول التي تعتبر هذه الجماعة «إرهابیة» مثل السعودیة والإمارات؛ إذ إن بریطانیا لم تكن مقرًا لإخوان مصر فقط، بل تستضیف أیضا عناصر معارضة إخوانیة من دول الخلیج، وكذلك من سوریا، وهو ما یعني أن هذا القرار ربما یكون بدایة لمعالجة قضیة خلافیة كان مسكوتا عنها طوال الفترة الماضیة بین بریطانیا وهذه الدول.

ویظل التحول في سیاسات بریطانیا تجاه جماعة الإخوان المسلمین مرتبطًا بنتائج التحقیق في أنشطة الجماعة، التي لم تتضح أبعادها بعد، ولكن في كل الأحوال، سیكون هذا التحول بالقدر الذي یخدم مصالح لندن، ویحافظ على استقرار أوضاعها الداخلیة، ویجنبها التعرض لموجة عنف إخوانیة محتملة خلال الفترة المقبلة.
الجريدة الرسمية