انسوا الموضوع
أعتقد أننى استعملت هذه العبارة من قبل وأعود إليها اليوم لأن الإعلان عن عزم الرئيس باراك أوباما زيارة إسرائيل الشهر القادم أطلق تكهنات بأنه يريد إحياء عملية السلام ومشروع الدولتين.
بيان البيت الأبيض عن الزيارة المرتقبة تحدث فقط عن البحث فى قضايا من نوع إيران وسورية، وأغفل الفلسطينيين تماماً، إلا أننى اعتبرت هذا خدعة أميركية، فالرئيس لن يشن حرباً على إيران كما تريد إسرائيل، ولن يتدخل فى سورية أو أى بلد، وإغفاله عملية السلام هدفه ألا تشن إسرائيل وعصابة الحرب والشر الأميركية حملة عليه قبل بدء الزيارة. بعد ذلك قرأت تعليقات فى الصحف الإسرائيلية تستبعد أن يُهمل الرئيس الأميركى الزائر عملية السلام، خصوصاً أن إعلان البيت الأبيض عزم الرئيس الذهاب إلى إسرائيل قال أيضاً إنه سيزور رام الله وعمّان، ما يؤكد أن القضية الفلسطينية حتماً جزء من الزيارة.
أقول هذا ثم أكرر: انسوا الموضوع، ففى إسرائيل حكومة نازية جديدة فاشستية محتلة تعمل لابتلاع فلسطين كلها ورئيس الوزراء بنيامين نتانياهو إرهابى كغالبية وزرائه.
عملية السلام كانت فى طريقها إلى النجاح لولا فوز نتانياهو بفارق نصف واحد فى المئة فى انتخابات 1996 ضد الفاشل المزمن شمعون بيريز بعد أن ورث هذا زعامة العمل عن اسحق رابين الذى اغتاله اليمين الإسرائيلى. وعطل نتانياهو عملية السلام طوال رئاسته الوزارة حتى 1999، فلم يبق عند الرئيس بيل كلينتون ما يكفى من الوقت لإنهاء عملية السلام على أساس حل الدولتين فى وزارة أيهود باراك، وجاء مجرم الحرب الآخر ارييل شارون إلى الحكم وتدهور الوضع تدريجياً حتى انهار.
عاد نتانياهو إلى رئاسة الوزارة فى 2009 من دون أن يغير جلده أو يخفف شيئاً من نازيته وتطرفه، ومَثل واحد يكفى فقد كان الرئيس أوباما ألقى خطاباً فى أيار (مايو) 2011 تحدث فيه عن دولة فلسطينية فى حدود 1967، وبعد ذلك جلس نتانياهو مع الرئيس الأميركى فى البيت الأبيض وهاجم بشدّة وحدّة أى اقتراح لانسحاب إسرائيل إلى حدود 1967 وأعلن رفض ذلك. واضطر أوباما فى اليوم التالى أن «يشرح» كلامه فى مؤتمر ايباك، أى لوبى إسرائيل، ويقول إن المعنى أخرِجَ من سياقه الحقيقى، وأنه يؤيد تبادل أراض لتبقى المستوطنات الكبرى تحت سلطة إسرائيل.
«تبادل الأراضى» تبدو عبارة منطقية إلا أنها ليست كذلك أبداً. فالمستوطنات الإسرائيلية فى قلب الضفة الغربية وحول القدس، وإسرائيل تطرح تبادلها بأراضٍ صحراوية فى النقب... يعنى هذا أن القارئ إذا كان يملك أرضاً فى «غاردن سيتي» فى القاهرة يُطلب منه استبدال مـساحة مـماثلة فى الصحراء على حـدود ليبيا بها. والمَثل نفـسه ينطبق على مَنْ يمـلك أرضاً قرب إمارة الرياض أو على الكورنـيش فـى بيروت، أو على حـافة سـاحة الأمـويين فـى دمـشق.
ربما كانت غالبية من اليهود حول العالم تريد السلام، وربما كانت الغالبية نفسها موجودة فى إسرائيل، غير أن الغالبية الإسرائيلية اختارت أن تقدم ائتلافاً من ليكود وإسرائيل بيتنا على الوسط واليسار وستدفع الثمن مع الفلسطينيين وأهل المنطقة جميعاً.
قرأت فى جريدة إسرائيلية تعليقاً تحت صورة يجلس فيها الرئيس محمود عباس مع الرئيس محمود أحمدى نجاد ويشكره على دعم إيران الفلسطينيين. التعليق يشكو من أن أبو مازن يشكر أحمدى نجاد وهذا يهدد إسرائيل.
ماذا يريد الإسرائيليون؟ أن يشكر أبو مازن المولدافى أفيغدور ليبرمان أو المهاجر الأميركى نفتالى بنيت، أو حاخامات الأحزاب الدينية الذين يعيشون خرافات توراتية لا آثار لها إطلاقاً فى بلادنا.
يا ناس، انسوا الموضوع، لن يكون هناك سلام مع حكومة النازيين الجدد فى إسرائيل. السلام سيأتى بعد انتفاضة ثالثة ورابعة وخامسة، ويقظة عربية وإسلامية، وربما سبقت الجميع أسلحة دمار شامل أدعو ألا أراها تُستعمل، وإن كنت أحمِّل حكومة إسرائيل سلفاً المسئولية الكاملة عنها فى غياب السلام.
نقلاً عن الحياة اللندانية