صناع الأزمات في مصر
المشهد المصري غريب ومفزع لا يوجد فيه شيء واضح تتصدره العديد من المشاهد السلبية الغريبة على المصريين مثل الانقسام والتخوين والتشكيك وانعدام الثقة في الآخر، والتي لا يمكن توقع نتائجها وماذا ستعكس خلال الأيام القادمة.. فمصر أصبحت ساحة للصراع والجدل حول كل شيء.. وأى شيء.. المصريون أصبحوا في حالة صراخ مستمر والكل متعصب لأفكاره ومبادئه وصرنا جميعا نعيش في الوطن المفقود.. فصناع الثورة لم يتخيلوا أن هذه نتيجتها.. وأن مصر ستتمزق اجتماعيا وسياسيا.. ولا نعلم لصالح من يحدث.. فكل يوم يمر في حياة المصريين يأتى جدل وخلاف بداية من اقتراب انتخاب الرئيس الجديد للبلاد مرورا بالدستور.. حتى أبسط الأشياء.. كأن هناك قوة كبرى تدفعنا للهاوية تريدنا أن نكفر ونشكك ونغتال كل من يخالف الآخر.. ولكن كيف وصلنا لذلك وكيف اختلف المصريون.. وأصبحنا شعب الله المحتار الذي لا يعرف أين المستقبل؟! وأعتقد هناك بعض الأمور المهمة التي أدخلتنا هذا النفق المظلم ومنها:
عدم الاستقرار السياسي في مصر منذ ثورة 25 يناير وحتى الآن لعدم وجود توافق مجتمعى حول اختيار رئيس للبلاد.. وطول مدة الفترات الانتقالية وخصوصا بعد التجربة المريرة لحكم جماعة الإخوان، التي كانت تريد اغتصاب الدولة المصرية ومحو هويتها وعروبتها وتحويلها لمجرد دويلة في التنظيم العالمى الوهمى للجماعة.. وها نحن نعيش هذه الأيام مرحلة جديدة لانتخاب رئيس جديد للبلاد وندعو الله أن تستقر البلاد مع قدوم الرئيس القادم.
الأحزاب والتيارات السياسية تستغل كل شيء وأى شيء من أجل تحقيق مصالحها وأهدافها.. فهم يتاجرون بأحلام الفقراء وآمالهم في مستقبل أفضل.. وفور وصولهم للسلطة لا تجد منهم سوى وعود لا ترضى ولا تثمن من جوع.. ما أفقد المواطنين الثقة فيهم وأن الحقوق تكتسب بالقوة.. فأصبحت مصر ساحة للإضرابات بحثا عن تحسين الحالة المهنية والمادية للشعب الذي أنهكته البطالة والظروف الاقتصادية الصعبة.
الخطاب الدينى غائب.. فمصر أصبحت ساحة صراع ديني.. تيارات تدعى الإسلام وتتاجر به وتستخدمه لمصالحها ونرى شيوخ ودعاة متخصصين.. إما في نفاق الحاكم أو العكس.. وكذلك فقدان المصداقية الواضح من بعض المشايخ الذين تعودوا الظهور في الفضائيات وأصبحوا شيوخ الفتاوى التي ساهمت في اضطراب المصريين وتشتتهم.. فلم نعد نرى سوى شيوخ المصلحة يبثون أفكارهم لمصلحة ما.. واختفى الخطاب الدينى الوسطى الذي يعكس صحيح الإسلام وسماحته.. وهكذا وقع المجتمع فريسة في يد الدجالين وتجار الدين.
الإعلام الحر الحقيقي شبه اختفى من مصر.. فكل نافذة إعلامية سواء صحف أو فضائيات تعكس مصالح وأهداف ملاكها.. ما ساهم في غياب الحقيقة عن المواطن المصري.. فبجولة سريعة في القنوات المصرية ستجد أن مصر تتلاشى وراء المصالح والأجندات المختلفة.. وساهموا عبر ضيوفهم وبرامجهم في انقسام المجتمع المصري وأصبحت الشائعات وتصفية الحسابات السلعة الرائجة في وسائل الإعلام المصرية.
المنتقمون الجدد.. وهؤلاء بعض من خرجوا من تحت الأرض وكهوف السجون بحثا عن دور سياسي ويريدون أن ينتقموا من كل من سجنهم أو عذبهم سواء عن حق أو باطل وهم منتشرون الآن في كل مكان بداية من الأحزاب مرورا بالإعلام وصولا للمساجد.. يريدون مصر بتفكيرهم الغريب عن المجتمع المصري.
العدالة الاجتماعية غائبة في مصر فالجميع كان ينتظر انتصار الثورة للفقراء ومعدومى الدخل.. ولكننا نعيش العكس.. الحكومة ترفع رواتب الموظفين مثلما كان يفعل النظام السابق ويتركون طابور البطالة للضياع.. وكذلك عدم شعور نسبة كبيرة من المصريين بأن الحكومة الحالية قادرة على حل مشاكلهم وتوفير حياة كريمة لهم عبر خدمات حقيقية ومستقبل أفضل.
مصر تحتاج لمصالحة وطنية حقيقية بعيدا عن حالة التطرف السياسي التي تعيشها.. وبدون ذلك سيدخل المصريون النفق المظلم ولن يكون هناك استقرار وتنمية ورخاء فمصر وطن للجميع.. متساوون في الحقوق والواجب.. يخضعون للقانون وسيادة الدولة المصرية.
dreemstars@gmail.com