رئيس التحرير
عصام كامل

ممكن.. والدعاة الاستثناء!


استمتعت للغاية بحلقة يوم الجمعة الماضية الرابع من أبريل من برنامج "ممكن" للإعلامي خيري رمضان على قناة cbc الفضائية، كانت سهرة خاصة مختلفة أعادت إلينا عبق سهرات الزمن الأنيق الذي لم يلحقها جيلنا في رونقها الباهي وإبداعها الجميل، في وقت كنا نحتاج فيه إليها وسط آتون الدماء والصراعات والنفاق الذي امتلأت به الفضائيات.. حيث استضاف وفريق إعداد البرنامج اثنيْن من خيرة دعاة الأمة العربية والإسلامية المحسوبين على جيل الوسط والشباب معًا هما الشيخان الحبيب على الجفري والدكتور أسامة الأزهري، واثنيْن من الشعراء الشباب المبدعين هما محمد إبراهيم وعمرو حسن، في أمسية رائعة بين الدين والإبداع ومتاخمات العلاقة بينهما، وكان خيري رمضان منسقًا هادئًا لمزيج من المساجلات الدينية الأدبية، ونموذج واضح على تقدير الدين للشعر ومكانته وأدواره.


وأتذكر حين كتبتُ أيام الجامعة: "إن الدين في حد ذاته إبداع إلهي في ترسيم الكون وضوابطه وعباده، وإبداع إنساني في طاعة الخالق وتسيير الحياة وشئونها"، ثارت الدنيا على الفقير إلى الله وهاجمتني التيارات التي تُتاجر بالإسلام وتدَّعيه سبيلًا لها، مثلما صمَّمت وقتها إعلانًا عن أمسية شعرية لجماعة الشعر العربي واضعًا في الترويسة صورة أبوللو إله الشعر في الميثولوجيا الإغريقية تعلوه عبارة: "رسول الشعر ينادينا فهيَّا نلبِّي"، فكان أن مر أحدهم على أماكن تثبيت الإعلانات المتفرقة ليقطع العبارة تاركًا الصورة عارية الجسد في مشهد كوميدي أليم! فقد توقف فكره أمام شكل العبارة ولفظ الرسول تاركًا شكل صورة التمثال إلى العاشقين!!

وأظهرت السهرة ثقافة الشيخيْن وشغفهما بروائع الأدبيْن العربي والغربي معًا، كما بدت أحد المعاني الجميلة في أدائهما التلقائي الجميل، الذي جعل الشيخ الحبيب الجفري يعترف بشعوره بفرح كبير بين الحضور وأن من لم يتعلم كيف يحب لا يعرف كيف يعيش ويُعامل، وأنه إذا جفَّت قلوبنا فلن تستطيع أن تحب، وأن الإنسان بحاجة إلى الغزل.. أما الدكتور أسامة الأزهري الذي اعتدنا رؤيته جامد الملامح جاد الانطباعات، فغدت أساريره القوية ضحكات في براءتها ندية، ظهرت مع بداية إلقاء الشعر لينطلق الطفل الذي داخله متهللًا فرحًا، مُقررًا طربه وتقديره للشعر وأنه تربَّى على مدرسة "إن من البيان لسحرا وإن من الشعر لحكمة"، مستشهدًا بشعراء عدة أكثرهم مفاجأة هو أحمد فؤاد نجم وملقيًا لأبيات من الشعر الحلمنتيشي، لنُدرك بعدها أن الاثنيْن وغيرهما من فقهاء الأصول يقرضون الشعر ويرتجلون تأليفه إلى الحد أنهم جميعًا سخروا التقنيات الحديثة في الاتصالات لتبادل أشعارهم بينهم والتعليق عليها.

أما الشاعران الشابان فإن كل منهما تباري في شعره بانسيابية كاملة، وجاء الحق على لسان الشاعر محمد إبراهيم مؤكدًا أقوالي السابقة من أن جيلهم نال من الحظ في الانتشار ما لم تنله الأجيال السابقة بفضل التقدم في وسائل الاتصال وانتشار مواقع الإنترنت ومنتديات التواصل الاجتماعي، وكان الشاعر عمرو حسن مبدعًا في إلقائه لقصائده التي تشاركت مع قصائد محمد إبراهيم في قوالب معمارية مختلفة لقصيدة العامية المصرية الحديثة.. وكانت لهفتهما التلقائية على وجود الفنانة المبدعة أنغام فور مداخلتها الهاتفية ثم ضحكات أنغام وحياؤها وتأسفها على إهمالها في معرفتها لأشعارهما، نوعًا من حنين الفن للفن.

فتحية لهذه المحاولات المُستنيرة من تناول القضايا الدينية التنويرية التي أثارها ويُثيرها الإعلامي خيري رمضان وفريق من إعداد واع في برامجه سواء برنامجه الديني السابق "آمنت بالله" أو برنامجه المتنوع الحالي "ممكن"، وفي اختياره لهولاء الدعاة التنويريين الاستثناء، والتي كانت الواجب والمأمول من البرامج الدينية المتخصصة التي ظل أغلبها منذ العهد المباركي يُتاجر بالفتاوى دون الوثوب إلى تنوير عقلية وفكر المواطن العادي، ثم تداخل أكثرها مع السياسة في فترة ما بعد ثورة يناير وعهد مرسي إخوان متاجرة بالدماء!
Poetgomaa@gmail.com
الجريدة الرسمية