صرخة أم فى آذان صم
فى إحدى الحلقات التليفزيونية التى ما أكثرها اليوم فى إحدى القنوات كان هناك حديث وحوار ما بين أحد الضيوف بالاستديو وطرف آخر عن طريق "الفيديو كونفرس" أى من خلال كاميرا وكان المذيع يدير بينهما الحوار.. لكن للأسف لم يكن حوارا لكن شجارا والكل متمسك بوجهة نظره وأنه على حق وهى بالقطع وجهة نظر متناقضة لكل منهما وكان المقدم للبرنامج يحاول أن يتدخل بينهما كأنه حكم فى حلبة.. ثم علق على كلامهما بل تصرفهما وقال: إن هذا هو شىء طبيعى كما هو الحادث الآن فى مصر، أى حوار الطرشان الكل يتحدث إلى نفسه ولا يقبل حديث الآخر ويجد أنه هو على حق والآخر على خطأ..
كان ذلك تعليقه دلالة على أن هذه هى سمة الحوار الذى نطالب به وهو حوار اللاحوار وكأنه يريد أن يصل إلى تلك المحصلة وهى فشل الحوار أو أننا لم نعرف ألا نتعود بعد على" فضيلة الحوار" وهو كأنه يريد أن يعيد إلى أذهاننا تلك المقولة وإن لم تكن بالمأثورة ولكنها تقترب بنا من الواقع الذى نعيشه وبها قدر أكبر من التوصيف له وهى "تناقشنى أناقشك تقنعنى أقتلك" لكن كان هناك نوع من التدخل الذكى أو الإسقاط من جانب المحاور الذى حاول أن يفض الاشتباك ما بين الضيفين بطريقة ذكية ولكنها كانت أكثر واقعية ودرامية وكأنه قد ألقى بجردل من الماء البارد عليهما وذلك عندما قال لهما عليكما أن تشاهدا ذلك الفيديو وهو مقطع كان بمثابة صفعة على وجههما وهو مشهد لأم هى لسان حال كل الأمهات فى مصر وهى تواجه حمدين صباحى بالواقع والحقيقة وما يدور فى عقل وقلب كل أم مصرية وكانت تقول له هل تضمن لى عندما تأتى إلى الحكم إذا ما حدث ذلك أى عندما يعتقل ابنى إذا ما نزل إلى التظاهر أن أعرف أين ذهب ولماذا اعتقل وإذا ما مات أعرف إزاى مات وليه؟؟
وقالت بنبرة من الأسى حرام عليكم عايزين نعرف إحنا رايحين فين وإنكم عليكم أن تتنازلوا بما معناه عن تطلعاتكم وحلمكم بالكرسى علشان نقدر نوصل مصر إلى بر الأمان أو نخرج من ذلك المأزق وكان الرجل يتدفأ فى معطفه الذى وقف صامتا وباهتا من كلمات هذه الأم المصرية البسيطة التى كانت تتململ من أحشائها وهى تكلمه بلسان كل المصريين وكأنها تتوسل إليهم أن يكفوا عن تصليب رقابهم التى سوف تطوح بمصر وبالبلد فى أتون نيران محمى وسوف يدخل البلد فى نفق معتم ومظلم وقتال وشجار.
وقف وكأنه أمام ممثل الدفاع يتلو عليه أسباب ودليل الاتهام.. لقد جعلت هذه الأحوال الصعبة من البسطاء حكماء ولكن كلماتهم كانت ممسوحة بالحزن والأسى على أمة تحتضر وعلى أبناء يقتلونها بأيديهم وهم يتحسرون وكأنهم ذاهبون إلى الموت وهم ينظرون.. لقد كانت هذه صرخة أم لأحد رموز جبهة الإنقاذ وأحد من كانوا مرشحين للفوز بالحكم لكن أعتقد أنها صرخة أم مكلومة تخشى أن يخرج ابنها ولا يعود لأى سبب من الأسباب ولا تعرف أين ذهب ولماذا قتل.. فهل تجد هذه الصرخة الإنصات أم أنها قد وقعت على آذان صماء؟؟ أعتقد أن الرأى الأخير هو الأقرب للصواب والواقع.