«مدى» يكشف تراجع موقف اليمين الإسرائيلي من «الاستيطان والسلام»
أصدر المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدى" تقريرا له اليوم، حول رؤية اليمين الإسرائيلي لقضية الاستيطان، في الوقت الحالي، والذي يشهد حالة من التعثر في مفاوضات السلام.
وأشار التقرير إلى أن اليمين الإسرائيلي أصبح مؤيدًا للمفاوضات مع الفلسطينيين بعد أن امتنع عن إجراء أي مفاوضات خلال ولاية حكومته السابقة، مرجعا السبب في تأييده للمفاوضات نابع من ضغوط أوربية وأميركية، وخاصة أنها ليست ضغوطا تمارسها حكومات فقط وإنما على صعيد نقابات ومؤسسات أيضا، وذلك على شكل مقاطعة إسرائيل ومؤسساتها الاقتصادية والأكاديمية.
ويذهب التقرير إلى أن السبب الثاني هو أن إسرائيل وحكامها، من أحزاب اليمين، تتخوف من أن الأزمة الكبيرة الحاصلة في المفاوضات، والتي برزت بقوة بعد رفض إسرائيل إطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين القدامى وطلب الفلسطينيين الانضمام إلى 15 مؤسسة تابعة للأمم المتحدة، من شأنها أن تدفع الفلسطينيين إلى التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية ضد جرائم إسرائيل كدولة احتلال.
ويشدد التقرير على أن إسرائيل هي التي تسببت بالأزمة التي وصلت إليها المفاوضات، وأنه كان واضحا لجميع الأطراف منذ البداية أن جولة المفاوضات الحالية لن تؤدي إلى أي اتفاق أو تفاهمات، على ضوء رفض اليمين الإسرائيلي، وعلى رأسه رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الاعتراف بحق الفلسطينيين بدولة في حدود العام 1967، وإنما هو يوافق في أفضل الأحوال على دولة كانتونات مقطعة الأوصال.
ويشير التقرير إلى أنه وخلال الشهور الثمانية الماضية منذ بدء جولة المفاوضات الحالية كرر نتنياهو الإعلان عن عدم وجود نية لديه بالانسحاب إلى حدود العام 1967، ويكاد لم يمر أسبوع واحد من دون الإعلان عن خطة بناء استيطانية جديدة، وصعّدت قوات الجيش الإسرائيلي من عملياتها العسكرية في الضفة الغربية من اقتحامات للمناطق الواقعة تحت السيطرة الأمنية والإدارية للسلطة الفلسطينية وقتل فلسطينيين، كما أنها لم تتوقف عن شن الهجمات ضد قطاع غزة، وزجّت في السجون أضعاف ما أفرجت عنه من أسرى، ولم تتوقف عن مطالبة الفلسطينيين بالاعتراف بـ "الدولة اليهودية"، وتذرعت أخيرا برفضها الإفراج عن أسرى ال48 رغم أنها اتخذت قرارا بذلك عشية استئناف المفاوضات قبل ثمانية شهور.
ويشير التقرير إلى اعتراف المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية بأن المفاوضات وصلت إلى وضعها المتأزم ليس بسبب قضية الأسرى وإنما بسبب الاستيطان ورفض تجميده، وقد انتقد رئيس حزب العمل والمعارضة الإسرائيلية، إسحاق (بوجي) هرتسوغ، نتنياهو وحكومته على خلفية رفض تجميد الاستيطان، خاصة في المستوطنات الواقعة خارج الكتل الاستيطانية، من أجل استئناف المفاوضات وإنما وافق على الإفراج عن الأسرى القدامى، الذين وصفهم بأنهم "مخربون وقتلة"، علما أن حكومات شكلها حزبه وافقت على إطلاق سراح هؤلاء الأسرى.
ويوضح التقرير أنه تسربت خلال الأسبوع الماضي تفاصيل صفقة تهدف إلى تمديد فترة مفاوضات التسعة شهور، التي تنتهي في 29 أبريل الحالي، حتى نهاية العام الجاري.
وبموجب التقارير فإن إسرائيل ستطلق سراح أسرى فلسطينيين من القدامى ومئات آخرين، وستخفض وتيرة البناء في المستوطنات ولا تشمل المستوطنات في القدس المحتلة، مقابل موافقة الفلسطينيين على تمديد المفاوضات وأن تطلق الولايات المتحدة سراح الجاسوس الإسرائيلي جونثان بولارد، ولذلك سُمي هذا الاقتراح في الصحافة الإسرائيلية بـ "صفقة بولارد".
ويتناول التقرير بالذكر تقارير صحافية إسرائيلية أشارت إلى أن اليمين الإسرائيلي، ممثلا بنائب وزير الخارجية، عضو الكنيست زئيف إلكين، "استوطن" في مكتب رئيس الحكومة، يوم الثلاثاء الماضي، وعقد اجتماعات مطولة مع نتنياهو، وشارك في قسم منها وزير الإسكان، أوري أريئيل، وإسحاق حيفر الملقب بـ "زامبيش"، وهو أحد أبرز قادة المستوطنين، من أجل حض نتنياهو على رفض هذه الصفقة كونها تتضمن إبطاء وتيرة البناء الاستيطاني.
وكان إلكين قد قال بأن الائتلاف لن يوافق على "صفقة بولارد" مثلما تم اقتراحها، وسيعارض المستوطنون التجميد وسيمارسون ضغوطا على أعضاء الجناح اليميني المتطرف في حزب الليكود ووزراء حزب "البيت اليهودي"، الأمر الذي سيؤدي إلى وجود تهديدات بالانسحاب من الحكومة وتفكيكها.
وأشار إلى أنه سيتم تقديم موعد الانتخابات وإجراؤها في الشهور القريبة، وأنه بسبب غضب الحريديم على نتنياهو، لأنه لم يضم أحزابهم إلى حكومته، فإن "قد يكون هناك أمل لبوجي هرتسوغ" بتشكيل الحكومة المقبلة.
ويعترف إلكين أن رفض "صفقة بولارد" نابع من تخوف اليمين، وخاصة حزب الليكود، من فقدان الحكم. وقال إن "الائتلاف ليس مستقرا، والسبب الأول لذلك هو أنه يوجد فيه مبدأ غير عادي أبدا، وهو أن كل واحد من رؤساء أحزاب الائتلاف يريد أن يخلف رئيس الحكومة الحالي.
وفي العادة يفكرون كيف يتغلبون على الخلافات والاستمرار معا. لا يريدون تفكيك الرزمة حتى يصلوا إلى موعد الانتخابات، وعندها يحاول كل واحد أن يبرز على ظهر الآخر. لكن في الوضع الحالي، يفكر كل واحد في اللحظة المناسبة من أجل تنفيذ خطوة تقود إلى إسقاط الحكومة. وعندما تكون الأجواء بهذا الشكل، فإن صيانة الائتلاف متماسكا ليس بالأمر البسيط".
وأوضح إلكين، الذي يعتبر أحد أبرز رموز اليمين الإسرائيلي، أن "أي خطوة تتجاوز الخطوط الحمراء، من شأنها أن تسبب مشاكل صعبة داخل حزب الليكود وحزب البيت اليهودي أيضا. وآمل ألا نصل إلى ذلك لأن رئيس الحكومة يقف بنجاح ضد الضغوط منذ سنوات عديدة. لكن في حال وافقت الحكومة على الاقتراح الأميركي بإجراء مفاوضات على أساس حدود العام 1967 فإن هذا سيؤدي إلى أزمة شديدة مع اليمين. وإذا عادوا إلى مسار التجميد [للاستيطان]، فقد كتب أعضاء كنيست أن هذا يشكل تجاوزا لخط أحمر. والسفينة تنجح في المناورة حتى الآن، لكن هناك احتمال كبير لتفجر الوضع وكافة الاحتمالات واردة".
ويزعم إلكين أن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس (أبو مازن)، يطلب أتاوة تتمثل بالإفراج عن أسرى وتجميد الاستيطان من أجل عدم التوجه إلى الأمم المتحدة ومؤسساتها. وقال "يجب وقف هذه المعادلة، كأنه يتعين على إسرائيل أن تدفع أثمانا من أجل منع خطوات أبو مازن الأحادية الجانب. وقد تحول هذا إلى دفع أتاوة فعلا، بأن تطالب إسرائيل بأن تدفع في كل مرة يهدد فيها بالتوجه إلى الأمم المتحدة".
ودعا إلكين فيما نقله التقرير إلى "تغيير المعادلة، ومقابل أية خطوة أحادية الجانب يقوم بها [أبو مازن] ينبغي الرد بخطوة إسرائيلية أحادية الجانب. والخطوة الفورية التي بالإمكان تنفيذها هي في المجال المالي. فالسلطة الفلسطينية مدينة بـ 1.4 مليار شيكل لشركة الكهرباء، وهو مبلغ يقع على كأهل دافع الضرائب الإسرائيلي. ويجب الحجز على أموال الضرائب التي تحولها إسرائيل كل شهر ودفعها إلى شركة الكهرباء. وعندما توشك السلطة على الانهيار بسبب ديون اقتصادية، فمن الجائز أن يفضلوا التراجع عن فكرة التوجه بصورة أحادية الجانب إلى الأمم المتحدة".
وينقل التقرير عن المحللة السياسية في صحيفة "يديعوت أحرونوت" سيما كدمون، قولها بان نتنياهو يوافق على "صفقة بولارد"، ومن أجل دفعها فإنه تعين عليه أن يرضي المستوطنين، وأنه من أجل تحقيق ذلك تم الإعلان، في بداية الأسبوع الماضي، عن خطة لبناء 700 وحدة سكنية جديدة في مستوطنة "غيلو" في جنوب القدس الشرقية "الأمر الذي دفع أبو مازن إلى التوقيع على المعاهدات [للانضمام إلى مؤسسات الأمم المتحدة] التي فجرت الصفقة".
وأضافت كدمون أن اليمين الإسرائيلي يحمل الرئيس الفلسطيني مسئولية فشل المفاوضات، ولكن ليس هم فقط، وإنما الوزيرة ليفني أيضًا، مشيرة في نقلها عن مصادر مقربة من ليفني قولها إنها غاضبة وإنها "ربما لن تقول كلمات ’لا يوجد شريك’، لكنها شخصيا وبعد أن عملت 11 يوما على بلورة صفقة بولارد، ونجحت في إقناع جميع الأطراف وإحضار صفقة لجميع الأطراف برأيها، قام أبو مازن بخدعة كهذه. وكل ما طلبوه منه هو تمديد المفاوضات لبضعة شهور، وسيحصل على جميع الأسرى الذين أرادهم و400 أسير آخر، وتجميد جزئي للبناء، أبعد كل هذا يحبط الصفقة؟".
ورأت الكاتبة أنه ما زال من المبكر "نعي" الصفقة رغم أن كل يوم يمر يبعدها. ولفتت إلى أن الانتقادات في الولايات المتحدة، في الكونغرس والصحافة، تتزايد وأن "الإدارة الأميركية تفعل كل ما في وسعها من أجل تقدم المفاوضات، بينما تفعل إسرائيل والفلسطينيون كل ما في وسعهما من أجل إحباط ذلك".
من جهة ثانية أشارت كدمون إلى أن "اليمين واليسار في إسرائيل لا يتحدثان عن الأمر الأهم، وهو انعدام الثقة. وفشل المفاوضات جاء بسبب عدم وجود أية ثقة بين الجانبين. وقد فقد الفلسطينيون ثقتهم بالأميركيين. وعندما يتوقفون عن النظر إلى الأميركيين على أنهم وسيط، فإن هذه ستكون النهاية. وبدون الثقة بين الأطراف فإن هذه القصة هي بمثابة زبد على وجه الوضع القائم. لأنه حتى لو تم تنفيذ الصفقة، لكانوا استمروا في المفاوضات لنصف عام آخر بدون أي شيء وسيصلون عندها إلى الأزمة".
وينقل التقرير عن المحلل العسكري في صحيفة "هارتس"، عاموس هارئيل، إشارته إلى وجود "حقيقة أساسية، هي أن إسرائيل، وليس السلطة الفلسطينية، هي التي خرقت التفاهمات المسبقة في المفاوضات. فقد تعين على إسرائيل تحرير الدفعة الرابعة في نهاية آذار... وعندما لم تلتزم إسرائيل بتعهداتها وتجاهلت الأجندة الزمنية، رأى الفلسطينيون أنفسهم أحرارا في رد الفعل".
كذلك تطرق هارئيل إلى الوضع الأمني الميداني في الضفة الغربية. ونقل عن مسئول أمني إسرائيلي رفيع المستوى قوله إن "المحادثات وصلت إلى أزمة هي الأشد منذ مؤتمر أنابوليس في العام 2007". لكن من الجهة الأخرى، اعتبر المحلل أن تمديد المفاوضات من شأنه أن يضمن استمرار منح الهبات المالية، الأميركية والأوربية، للسلطة الفلسطينية وتحسين وضعها الاقتصادي. ورأى أن وضعا كهذا سينعكس إيجابا على التنسيق الأمني بين أجهزة الأمن الفلسطينية والإسرائيلية.
وفي سياق الحديث عن "صفقة بولارد" لفت هارئيل إلى أن الفلسطينيين ما زالوا يتذكرون خدعة نتنياهو، خلال ولايته الأولى في رئاسة الحكومة قبل 16 عاما، "عندما أفرج في إطار اتفاق واي عن سارقي سيارات من السجن بدلا من مخربين مسجونين".