عمال غزل المحلة على أكتافهم قامت الثورة.. وتاجر بمعاناتهم الساسة والأحزاب والحركات.. طرقوا الأبواب بحثا عن قوت أبنائهم.. تعددت الحكومات والإجابة واحدة "إحنا بندرس حل المشكلة"
ركب على أحلامهم الساسة والحركات الشبابية.. "عمال غزل المحلة" على أكتافهم قامت الثورة.. أوقدوا ثورة يناير وشاركوا بقوة في 30 يونيو.. طرقوا أبواب المسئولين بكافة انتماءاتهم.. أزمة قطاع الغزل والنسيج من عهد المخلوع وشهدها المعزول وما زالت قائمة.
حين يأتي ذكر عمال غزل المحلة يتبادر إلى الذهن مباشرة أنهم مفجرو ثورة يناير الحقيقيون؛ اذ إن الإضرابات التي شهدها قطاع الغزل والنسيج في مدينة المحلة الكبرى بمحافظة الغربية في عام 2008 كانت الشرارة التي أوقدت فتيل الثورة، وسار على هديها السياسيون والحركات الشبابية الثورية، ومن بينها حركة شباب 6 إبريل.
وبالرغم من أن عمال غزل المحلة الذين خرجوا مطالبين بحقوقهم المهضومة بعيدا عن أي انتماءات سياسية أو حزبية، هم أصحاب الفضل على ثورتي 25 يناير و30 يونيو، إلا أن مسببات إضراب هؤلاء العمال لا زالت قائمة حتى الآن بل تتجدد كل شهر.
حكومات تتبدل ووزراء يتم تغييرهم ولم يحصل عمال غزل المحلة إلا على وعود جوفاء لا تسمن ولا تغني من جوع، فالمشكلات تتكرر عند نهاية كل شهر، حين يأتي موعد استحقاق المرتبات، وكأن هؤلاء العمال يتسولون مرتباتهم من وزارة المالية.
كل وسائل التعبير عن الرأي استخدمها العمال بداية من الوقفات الاحتجاجية حتى قطع الطرق، مرورا بالاعتصامات والإضرابات والمظاهرات، مطالبين بحقوقهم المشروعة، معترضين على تجاهل المسئولين لتطوير هذه الصناعة العريقة التي باتت تأن ولا يلتفت إليها مسئول بعين الاهتمام لحل أزماتها المتراكمة منذ عدة سنين بشكل متعمد.
عمال غزل المحلة طرقوا كل الأبواب لجميع المسئولين بكافة توجهاتهم السياسية، فبعدما خرج العمال ضد الرئيس المخلوع مبارك، جاءت ثورة يناير الذين كان لهم الفضل الأول فيها، آملين أن يأتي نظام جديد يعي الكارثة التي تمر بها هذه الصناعة، إلا أن الأمل تبدد خلال المرحلة الانتقالية التي تولي فيها المجلس العسكري حكم البلاد.
ومع إجراء أول انتخابات رئاسية بعد الثورة والتي جاءت بالإخوان على رأس السلطة، لم يتأخر العمل في طلب المعونة لإنهاء الأزمات، وعلى الرغم من وعود الرئيس المعزول محمد مرسي بإنهاء الأزمة من خلال ما سمي بـ "روشتة إنقاذ صناعة الغزل والنسيج" والتي احتوت على وصف تفصيلي للأزمة وطرق الحل الحقيقية إلا أنها لا زالت حبرا على ورق، ولم تخرج إلى حيز التنفيذ حتى هذه اللحظة.
وثار عمال غزل المحلة ضد الإخوان ونظامهم، وشاركوا في ثورة 30 يونيو، أملا أن تحقق لهم هذه الثورة ما فشل فيه مبارك وما تبعه من حكم المجلس العسكري وبعده جماعة الإخوان، إلا أن الأزمة استمرت على ما هي عليه في ظل حكومة الدكتور حازم الببلاوي، والتي اهتمت بإطلاق التصريحات الوردية واكتفت بالعمل المكتبي، وخرج عليها أيضا عمال غزل المحلة لتسول مرتباتهم نهاية كل شهر.
وتغيرت الحكومة وجاء المهندس إبراهيم محلب على رأسها، والذي استهل بداية عمله في رئاسة الحكومة بزيارة إلى هذا الصرح العملاق من الصناعات الوطنية، وطلب وقتها من العمال إعطاء الحكومة مهلة لمدة ثلاثة شهور بدون إضراب أو اعتصام حتى تقف الحكومة على أرجلها وبحث كافة المطالب، وهو ما رفضه العمال، خصوصا أن ما يطالبون به هو قوتهم وقوت أولادهم، فمطالب عمال غزل المحلة تتلخص في الحصول على مرتباتهم نهاية كل شهر، ولم يسبق أن طالبوا بعلاوة أو زيادة في المرتبات أو أرباح مثل بقية القطاعات.
وعلى الرغم من معرفة كافة المسئولين الذين تولوا المناصب في الفترة الأخيرة بكافة مشكلات قطاع الغزل والنسيج إلا أن الأزمة لا زالت قائمة، العمال بأنفسهم قدموا حلولا سهلة وبسيطة لأزمتهم، تتلخص في توفير المواد الخام، والحد من المنسوجات المستوردة بطرق غير مشروعة والتي أغرقت السوق، ما جعل من الصعوبة منافسة المنتج المصري مع نظيره المستورد، إلا أن كافة المسئولين كان ردهم واحد "إحنا بندرس حل المشكلة".
وما يثير حفيظة العمال ويدفعهم في كثير من الأحيان للتعبير عن غضبهم بطرق غير مشروعة مثل قطع الطرق، ما يشهده الشارع من الحديث فقط في السياسة وإهمال قطاع كبير من الشعب وهم العمال المشاركون الحقيقيون للثورة، والذين ركب على أكتافهم بعد ذلك السياسيون والائتلافات الشبابية والحركات الثورية، وضاعت أحلام تلك الطبقة الكادحة.
حديث الأحزاب والسياسيين يقتصر على الانتخابات الرئاسية والسعي نحو تأييد من ترجح كفته حتى يكون لهم تميز خلال فترة توليه الحكم، أو السعي للتنسيق مع أحزاب أخرى لكسب مقاعد في البرلمان، مكتفين بالتنظير والمبررات السياسية وتحليل الانتخابات والخلافات السياسية، بينما لا يوجد حزب يتبنى مشروع قومي لحل أزمة قطاع مهم وصناعة عريقة مثل صناعات الغزل والنسيج.
حتى أمانة العمال في الأحزاب لم تهتم بغير الحديث عن نسبة تمثيل العمال والفلاحين تحت قبة البرلمان، مهملين الأساس وهو البحث عن حق العامل من خلال توفير المناخ الصالح للعمل، والذي يحقق له الأمن والاستقرار.