رئيس التحرير
عصام كامل

3 أسباب وراء أزمة السعودية والبحرين والإمارات مع قطر.. الاختلاف حول الاتفاقية الأمنية الخليجية.. دعم الدوحة لـ«إخوان مصر».. نقل الخلافات في «مجلس التعاون» للعلن.. و3 سيناريوهات محت


أصدرت وحدة العلاقات السياسية الإقليمية، بالمركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية «تفكير»، تقريرا حول مستقبل مجلس التعاون الخليجي، في ظل ما تشهده العلاقات (الخليجية- الخليجية) من تأزم على خلفية أزمة الدول الثلاث المملكة السعودية والإمارات والبحرين مع قطر.


وأشار التقرير الذي أصدرته الوحدة المعنية، برصــد وتحليــل التحــولات الجاريــة فــي العلاقات السياسية بـين أطـراف الإقلـيم بعـد الثـورات العربيـة، والتي تشكل اتجاهات قد تؤدى إلى تغيـرات كبـرى فـي هيكـل وتفـــاعلات الإقلـــيم، إلى أن العلاقات (الخلیجیة – الخلیجیة)، شهدت خلال الفترة الأخیرة العدید من التطورات التي كشفت عن عدم قدرة آلیات منظمة مجلس التعاون الخلیجي على إدارة الخلافات بین الدول الأعضاء فیه، على نحو طرح تساؤلات عدة حول مستقبل هذه المنظمة، لیس من حیث التحول من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد أو توسیع عضویة المجلس لتضم الأردن والمغرب، وإنما من حیث فعالیة وربما وجود المنظمة في حد ذاتها، واحتفاظها بصورتها كمنظمة جامعة للدول الست، خاصة على المستوى السیاسي والأمني.

وأوضح التقرير أن التوترات المتتالیة التي طرأت على العلاقات البینیة الخلیجیة، في الفترة الأخیرة، ارتبطت بثلاث قضایا رئیسیة، ورغم كونها لیست المرة الأولى التي یحدث فيها ذلك، إلا أن التوتر هذه المرة استعصى على الاحتواء من خلال مؤسسات مجلس التعاون، على نحو من المتوقع أن یؤثر على مستقبل هذه المنظمة.

وتتمثل القضیة الأولى في الاختلاف حول الاتفاقیة الأمنیة الخلیجیة، والذي امتد لعدة سنوات منذ الطرح الأول لمسودة الاتفاقیة، وهو اختلاف یعكس وجود «سقف» للتعاون الأمني الخلیجي في إطار مجلس التعاون، عبر عنه بوضوح موقف الكویت الرافض للتصدیق على الاتفاقیة. ومن غیر الواضح ما إذا كانت كل من الإمارات وقطر ستصادقان على الاتفاقیة خلال الفترة المقبلة، حیث تعدان من الدول الموقعة عليها، بینما صادقت عليها كل من المملكة العربیة السعودیة ومملكة البحرین وسلطنة عمان.

وتتعلق القضیة الثانیة بتعارض المواقف تجاه جماعة «الإخوان»، إذ تتعامل معها قطر كجماعة تعبر عن الإسلام السیاسي المعتدل، وتنتهج سیاسات عبرت دول الخلیج عن رفضها لها في اجتماع ۱۷ فبرایر ۲۰۱٤، واجتماع ٤ مارس ۲۰۱٤، بینما تتعامل معها كل من الكویت والبحرین كقوى سیاسیة شرعیة في إطار ما، إذ أنها ممثلة في مجلس الأمة الكویتي، وفي مجلس النواب البحریني. في حین تتعامل معها الإمارات كجماعة محظورة، والسعودیة كجماعة إرهابية.

وقد عالجت كل من البحرین والكویت هذا التباین في المواقف، مع السعودیة والإمارات، بالالتزام بالإعلان عن رفضهما أي تهديد لأمن هاتين الدولتین، دون أن ینعكس ذلك في سیاسات ھما تجاه الإخوان في الداخل، بینما تظل سلطنة عمان تتصرف بحذر مع سیاسات الدول الثلاث.

وتنصرف القضیة الثالثة، وفقا للتقرير، إلى كیفیة إدارة الخلافات بین الدول الأعضاء في المجلس، والتي لم تعد تتم من خلال «الاحتواء»، كما كان الوضع في السابق، حیث أصبحت دول المجلس تنقل الخلافات للعلن، وتتخذ إجراءات عقابیة في مواجهة بعضها، حتى وإن كانت من خارج إطار وآلیات عمل مجلس التعاون، وهو ما عبر عنها القرار الجماعي لكل من السعودیة والإمارات والبحرین، بسحب سفرائھا من قطر في ٥ مارس ۲۰۱٤، بشكل یمثل «تغیرا» مهما في السیاسات الخلیجیة مقارنة بسیاسات سابقة.

ويشير التقرير إلى ثلاثة مسارات محتملة في مسار مجلس التعاون الخليجي الذي ظل مستقرا منذ نشأته في ۱۹۸۱، دون أن یطرأ عليها تغیر كبیر، ونظرا لاختلاف طبیعة التحولات التي تشهدها منطقة الخلیج في الوقت الحالي عما كان سائدا منذ الحرب (العراقیة-الإیرانیة من۱۹۸۰-۱۹۸۸) فإنه من المتوقع ألا یظل مجلس التعاون، كمنظمة، على حاله وسيتم التغییر بشكل أو بآخر بسبب هذه الخلافات.

ويتمثل المسار الأول، في تجمید ناعم لعضویة قطر، بحیث یصبح المجلس من الناحیة العملیة هو مجلس الدول الخمس، ولیس الدول الست، ويتوقع التقرير في حال جرى هذا المسار أن یتم اتخاذ عدد من الإجراءات التي تستبعد قطر، ضمنیا، من أي أنشطة خاصة بالمجلس، مثل عدم عقد اجتماعات المجلس ًالتي كان مخط ًطا تنظیمھا في قطر في میعادھا، ومن ذلك اجتماع خفر السواحل الخاص بالدول الأعضاء في المجلس، الذي كان مخططا عقده في ۱۷ مارس ۲۰۱٤ بالدوحة، ولكن تم إرجاء انعقاده.

ویدعم هذا المسار، عدم مرونة قطر وتمسكها بسیاستها الخارجیة، والتي تعد مصدر قلق لكل من السعودیة والإمارات والبحرین، وهو ما عبر عنه وزیر الخارجیة القطري خالد بن محمد العطیة بقوله أن "استقلال السیاسة الخارجیة لدولة قطر هو ببساطة غیر قابل للتفاوض".

أما المسار الثاني الذي يطرحه التقرير فيذهب إلى تجمید «ضمني» لعمل مجلس التعاون الخلیجي، من خلال استحداث آلیات من خارجه تضمن قدرا من التنسیق بین عدد محدود من الدول، على نحو قد یتشكل معه محور سعودي-إماراتي-بحریني. وتتمثل نواة ھذا المسار في إصدار ھذه الدول البیان الثلاثي بسحب سفرائها من قطر في ٥ مارس ۲۰۱٤، وهو بیان صدر بعد عدم توصل الدول المشاركة في اجتماع الأمانة العامة للمجلس لموقف مشترك، مما دفع الدول الثلاث لإصدار بیان بصفتها الذاتیة، ولیس في إطار مجلس التعاون، وذلك وفق ما جاء في نص البیان كما نشر على موقع وزارة الخارجیة السعودیة، وإن كان نص البیان قد استند إلى ما ورد في النظام الأساسي للمجلس من مبادئ، باعتباره الإطار التنظیمي الذي یجمع ھذه الدول وقطر كأعضاء فيه.

ویلاحظ أنه رغم ارتباط بدایات هذا المسار بقرار سحب السفراء، إلا أن مواقف كل من الكویت وعمان قد تحول دون استقراره، حیث تسعى الكویت للوساطة بهدف تقلیص حدة التوتر بین الدول الثلاث وقطر، وقد حرص وزیر الخارجیة الكویتي خالد الجار الله على القول بأن المصالحة تتم من داخل البیت الخلیجي"، في إشارة إلى عدم سعي الكویت لإثارة المسألة خلال القمة العربیة التي عقدت في الكویت في ۲۳-۲٤ مارس ۲۰۱٤. كما أن هناك حدیثا عن وساطة عمانیة، ولكن أبعادھا لم تتضح بعد.

ویتعلق المسار الثالث بتحول ھذه الخلافات إلى سحابة صیف، بمعنى ألا تؤثر على مجلس التعاون، وهو أمر یتوقف على درجة مرونة قطر في التعامل مع مطالب الدول الثلاث، والخاصة بسياستها الخارجیة، وعلاقتها بجماعات تهدد أمن دول الخلیج، ولكن یبدو أن هذا المسار مستبعد، لا سیما وأن تكلفته بالنسبة لقطر قد تكون مرتفعة، بفعل تعقیدات أوضاعها الداخلیة، وتحالفاتها الخارجیة، ولن تقدم علیه، في كل الأحوال، إلا بمقابل.

كما أن كلا من السعودیة والبحرین والإمارات أصبحت تتعامل مع سیاسات قطر – فیما یبدو - كمصدر تهديد لأمنها، على نحو يجعلها أكثر إصرارا على قیام قطر بإجراء تغییر في سياستها، حیث لم تتخذ حكومة قطر إجراءا في مواجهة الشیخ یوسف القرضاوي بعد احتجاج الإمارات رسمیا في ۲ فبرایر ۲۰۱٤، على "تطاول" القرضاوي عليها في خطبة الجمعة التي ألقاها یوم ۲٤ ینایر ۲۰۱٤، كما أصبح انتقال المواطنین القطریین للعمل في الإمارات لا یخلو من مخاطر على أمن الأخیرة، وهو ما یشیر إليها القبض على طبیب قطري یعمل في شركة قطریة في الإمارات مؤخرا، بتهمة دعم جمعیة الإصلاح التابعة لجماعة الإخوان المسلمین في الإمارات.

ذلك فضلا عن ما یتردد عن توفیر قطر ظهيرا خلیجیا لتحركات الإخوان في السعودیة، وما تردده عدة دوائر في البحرین عن دور قطر في دعم جمعیة الوفاق المعارضة، وعدم تبادلها المعلومات الخاصة بعدد من الجماعات الإرهابية النشطة في البحرین، إلى جانب دعمها نشاط الإخوان المسلمین المصریین في الخارج، الذي یفرض تداعیات على نشاط الإخوان في الخلیج بحكم أثر الانتشار، زهى كلها تطورات تهدد أمن الدول الثلاث.

ويؤكد المركز في تقريره على أن مستقبل مجلس التعاون، يظل كمنظمة جامعة لدول الخلیج الست، یتوقف على تصورات هذه الدول لكیفیة تحقیق مصالحها الأمنیة خلال الفترة المقبلة، والتي تعد محور الاهتمام الرئیسي بالنسبة لها، وعلى السیاسات التي تتبعها لتحقیق ذلك، في ظل بیئة استراتیجیة شدیدة التعقید وسریعة التحول.
الجريدة الرسمية