مقتل "بلعيد" إجهاض لثورة الياسمين
دماء هنا، ودماء هناك، ومؤخرًا دماء "شكرى بلعيد"، التى جعلتنا نشعر أن هناك حلمًا جميلًا على وشك الانتهاء، حلم كان يُسمى "ثورة الياسمين"، والأيادى التى قتلت "بلعيد" هى تلك الأيادى التى تشارك فى إجهاض الثورة التونسية، والتى جعلت من هذا المعارض التونسى – بغض النظر عن انتماءاته السياسية أو الدينية، أهم شهيد فى تونس، وشرارة لثورة جديدة ومظاهرات تملأ الشوارع تطالب بإسقاط النظام، ولكن هذه المرة نظام "راشد الغنوشى"، وحزبه الحاكم "النهضة" المحسوب على تيار الإسلام السياسى.
وكالعادة خرج "الغنوشى" يُدين مقتل "بلعيد"، مؤكدًا أنها "جريمة ضد الإنسانية"، ليبرئ ساحته من تلك الجريمة، ويلقى بالتهمة على أحزاب أخرى بحجة زعزعة الاستقرار فى البلاد، كباقى الحكام الذين يحاولوا تبرئة ساحتهم بإلقاء التهم على الآخرين، والغنوشى الذى عانى من حكم "زين العابدين بن على" قد قضى عشرين عامًا فى منفاه فى لندن، ولكن استقر بتونس بعد الثورة ليساهم فى ديمقراطية بلاده.
وتأتى الأكاذيب والقصص الملفقة التى تخلف كل ليلة مليئة بدماء الأبرياء والمألوفة عند المصريين والتونسيين على حد سواء، وتبدأ الاتهامات هنا وهناك لجماعات إرهابية، لتفتح المجال أمام الحكومة الإسلامية لتقر قانون الطوارئ فى البلاد، مثل ما فعل الرئيس "محمد مرسى" بعد تداعيات النطق بالحكم فى قضية "بورسعيد"، وكما فعل الإخوان المسلمين فى مصر، تأتى نيتهم بالإقرار على دستور يحقق أطماع التيار الإسلامى والسلفيين فى البلاد، ولكن بشىء من النجاح الذى يتحقق بإقرار قانون الطوارئ، ليحققوا بذلك الدولة الدينية التى يحلمون بها، وسيكون الإعلام كما فى مصر آلتهم للدعوة لدستور يحكم بالشريعة، وقانون طوارئ يحفظ أمن المواطن، وهو فى الواقع يضره.
وفى مقابلة أتذكرها مع صحيفة الإندبندنت البريطانية السنة الماضية قال "راشد الغنوشى" إنه لن يتبع طرق "بن على" الديمقراطية فى حكم البلاد، ولن تشهد تونس قانون الطوارئ مجددًا، مشيرًا إلى أن حكم الطغاة قد ولى، ولكن ما نراه الآن فى تونس يؤكد عكس ذلك، فبدأت أصوات السلفيين تعلو للمطالبة بتطبيق قانون الطوارئ، تمامًا كما حدث فى مصر.
ونرى فى كل من مصر وتونس أحداثًا دامية تملأ الشوارع وشرطة تضرب المتظاهرين السلميين وتقذفهم بقنابل الغاز والرصاص المطاطى تمامًا كأنظمتهم السابقة، ولا يزال الغرب متجاهلًا ما يحدث فى دول الربيع العربى التى تجهض ثوراتهم أمام أعينهم دون حراك.
نقلًا عن "الإندبندنت" البريطانية.