رئيس التحرير
عصام كامل

«الشيخ ياسين» قعيد ضد إسرائيل..ولد يتيمًا وعاش مشلولا ومات شهيدًا ..أسس «حماس» وانتهج آلية الرد بالمثل ليقلب معادلة الصراع مع الاحتلال .. قضى 5 سنوات قاسية بسجن «هداريم»


الشيخ أحمد ياسين ، أحد أشهر قادة المقاومة الفلسطينية، كان صلبًا، قوي الإيمان بقضية فلسطين، و تحلّى بالصلابة والقوة اللتين كان لليتم فيها دور كبير، فقد توفى والده وعمره 3 سنوات؛ لذا فهو واحد من « يتامى صنعوا التاريخ».


ولد أحمد إسماعيل ياسين فى قرية تاريخية عريقة تسمى "جورة عسقلان" التابعة لمدينة المجدل، وتقع على بعد 20 كيلومترًا شمالى غزة، فى يونيو من عام 1936، وهو عام أول ثورة مسلحة ضد النفوذ الصهيونى المتزايد داخل الأراضى الفلسطينية.

مات والده وعمره لم يتجاوز 3 سنوات، وكنى فى طفولته بأحمد سعدة نسبة إلى أمه السيدة سعدة عبدالله الهبيل؛ لتمييزه عن أقرانه من عائلة ياسين الذين يحملون اسم أحمد.

وحينما وقعت نكبة فلسطين عام 1948 كان أحمد ياسين يبلغ من العمر 12 عامًا، فهاجرت أسرته إلى غزة مع عشرات آلاف الأسر التى طردتها العصابات الصهيونية.

تعرض أحمد ياسين وهو فى الـ16 من عمره لحادثة أثرت فى حياته كلها، فقد أصيب بكسر فى فقرات العنق إثر مصارعة ودية بينه وبين أحد زملائه عام 1371هـ - 1952 وبعد 45 يومًا من وضع رقبته داخل جبيرة من الجبس أصيب بشلل رباعى.

ولم يخبر أحمد ياسين أحدًا ولا حتى أسرته، بأنه أصيب أثناء مصارعة أحد رفاقه - عبدالله الخطيب - خوفًا من حدوث مشكلات عائلية بين أسرته وأسرة الخطيب، ولم يكشف عن ذلك إلا عام 1989، ونتيجة لذلك كان أحمد ياسين لا يقدر على تحريك الأشياء إلا بلسانه فقط.

وبعد إصابته بالشلل، كرّس ياسين شبابه لطلب العلوم الإسلامية، حيث درس فى جامعة الأزهر فى القاهرة، وكانت القاهرة هى المكان الذى تشكل فيه إيمان "أحمد ياسين" بأن فلسطين أرض إسلامية حتى يوم القيامة، وليس لأى زعيم عربى الحق فى التخلى عن أى جزء من هذه الأرض.

لم يثن الشلل ياسين عن مواصلة تعليمه وصولًا إلى العمل مدرسًا للغة العربية والتربية الإسلامية فى مدارس وكالة الغوث بقطاع غزة.. وانتظم الشيخ ياسين فى صفوف جناح المقاومة الفلسطينية، ولكنه لم يشتهر إلا فى الانتفاضة الفلسطينية الأولى التى اندلعت عام1987، حيث أصبح رئيسًا لتنظيم إسلامى جديد هو حركة المقاومة الإسلامية المعروفة اختصار بحركة «حماس».

وفضلًا عن الشلل التام عانى احمد ياسين من أمراض عديدة منها فقدان البصر فى العين اليمنى بعدما أصيبت أثناء التحقيق معه وتعذيبه على يد المخابرات الصهيونية فترة سجنه، كما عانى ضعفًا شديدًا فى قدرة إبصار العين اليسرى، والتهابًا مزمنًا بالأذن وحساسية فى الرئتين وبعض الأمراض والالتهابات المعوية الأخرى.

وقد أدى سوء ظروف اعتقال أحمد ياسين إلى تدهور حالته الصحية، مما استدعى نقله إلى المستشفى مرات عدة، بل تدهورت صحتة أكثر بسبب اعتقاله وعدم توفر رعاية طبية ملائمة له.
كان أحمد ياسين فى العاشرة من عمره عندما كان البريطانيون يجلبون اليهود من كل أصقاع الأرض لينشروها فى فلسطين وليؤسسوا بسطوة القوة دولة إسرائيل فى عام 1948.. أنهى أحمد ياسين دراسته الثانوية فى العام الدراسى 1957 - 1958 ونجح فى الحصول على فرصة عمل رغم الاعتراض عليه فى البداية بسبب حالته الصحية، وكان معظم دخله من مهنة التدريس يذهب لمساعدة أسرته. إضافة إلى هذا شارك أحمد ياسين وهو فى الـ20 من العمر فى المظاهرات التى اندلعت فى غزة احتجاجًا على العدوان الثلاثى الذى استهدف مصر عام 1956 وأظهر قدرات خطابية وتنظيمية ملموسة، حيث نشط مع رفاقه فى الدعوة إلى رفض الإشراف الدولى على غزة واكد على ضرورة عودة الإدارة المصرية إلى هذا الإقليم وأيد قيادة الحاج أمين الحسينى لمسيرة النضال الوطنى الفلسطينى.

وبعدما أصبح أحمد ياسين مدرسًا حاول إكمال مسيرته التعليمية ولكن ظروفه الحياتية كانت أقوى وكانت السبب الأول والأخير فى استمراره فى التعليم.
ورغم كل تلك الظروف فإنه عمل منذ صغره على خدمة المجتمع الفلسطينى من كل النواحى وأولها النواحى الاجتماعية، حيث عمل رئيسًا لجمعية المجمع الإسلامى الذى له تاريخ عريض فى خدمة القضية الفلسطينى والشعب الفلسطينى.

وكانت المفاجأة حين أصبح احمد ياسين مرجعية للجميع حتى الطلاب المعادين للإسلام ولكنه لم يكتف بالتدريس بل أخذ يجمع الطلاب المتميزين ويحولهم إلى المساجد ليكمل لهم دروسهم ويقيم لهم الأنشطة الثقافية والرياضية والاجتماعية، وأنشأ الجامعة الإسلامية وكانت له زيارات ومحاضرات كثيرة وكان له وجوده المستمر فى كل مناسبة.

اتفق أحمد ياسين عام 1987 مع مجموعة من قادة العمل الإسلامى الذين يعتنقون أفكار الإخوان المسلمين فى قطاع غزة على تكوين تنظيم إسلامى لمحاربة الاحتلال الصهيونى بغية تحرير فلسطين وأطلقوا عليه اسم حركة المقاومة الإسلامية المعروف اختصارًا باسم حماس، وكان لها دور مهم فى الانتفاضة الفلسطينية التى اندلعت آنذاك والتى اشتهرت بانتفاضة المساجد ومنذ ذلك الوقت وأحمد ياسين اعتبر الزعيم الروحى لتلك الحركة.

كان تأسيس حركة حماس مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية عام 1987 نقلة نوعية فى حياة أحمد ياسين وفى تاريخ القضية الفلسطينية، حيث قلبت الحركة المعادلة من خلال تنظيمها القوى الذى أصبح التنظيم الرقم واحد لاحقًا فى الساحة
ا لفلسطينية.
ونجح ياسين فى نشر فكرة الحركة الإسلامية فى كل أنحاء العالم من خلال مواقفه وإصراره على حقوق الشعب الفلسطينى فى الوطن ولم الشتات حتى وصل الأمر بخروج العديد من القادة السياسيين وغيرهم عن صمتهم والإعراب عن إعجابهم بأحمد ياسين وبطريقته فى عرض القضية الفلسطينية وحقوق شعبه وهموم الناس بل أيقظ همة الأمة وأعاد الاعتبار للجهاد فى فلسطين وأحيا هذه الفريضة التى كادت أن تموت.

ويروى المستشار النفسى والعميد السابق فى الشرطة الإسرائيلى «تسفيكا سيلع» أنه كان الإسرائيلى الوحيد الذى التقى ياسين ضمن لقاءات أسبوعية متتالية طيلة 3 سنوات.. وقال «سيلع» إن الشيخ ياسين كان يتمتع بشخصية قوية جدًا ويسيطر على ما يجرى داخل السجون وخارجها واحتجزناه فى سجن هداريم بشروط قاسية جدًا بل أذقناه الموت فحرمناه الزيارات وعزلناه طيلة 5 سنوات فى قبو بلغت درجة حرارته فى الصيف 45 درجة فيما ساد برد مرعب فى الشتاء وامتنعنا عن تنظيف القبو, «ولكن لم يؤثر كل ذلك على إرادته الفولاذية وإيمانه بقضيته».. وكشف «تسفيكا سيلع» النقاب عن أن ياسين رفض مساومة إسرائيلية بإطلاق سراحه مقابل الكشف عن جثة الجندى الإسرائيلى إيلان سعدون الذى تم أسره وقتله ولم يعرف مكان دفن جثته.

وقال الضابط الإسرائيلى «قال لى أحمد ياسين ذات مرة: أنت تعرف مدى قسوة شروط أسرى واشتياقى للحرية، ولا يوجد أحد فى العالم مطلع على الحقيقة مثلك وتعرف حجم أشواقى إلى أحفادى ومحبتى لهم وحلمى بشم رائحتهم ولكن الاقتراح بمبادلتى بجثمان مهين ومرفوض».

قال أحمد ياسين فى آخر مقابلة تلفزيونية معه:«إننا طلاب شهادة لسنا نحرص على هذه الحياة، هذه الحياة تافهة رخيصة، نحن نسعى إلى الحياة الأبدية.».
وبالفعل تحققت للشيخ احمد ياسين أمنيته الكبرى وهى الشهادة، وذلك بالانضمام إلى مواكب الشهداء ففى يوم 13 يونيو عام 2003 أعلنت المصادر الإسرائيلية أن أحمد ياسين لا يتمتع بحصانة وأنه عرضة لأى عمل عسكرى إسرائيلي, وبالفعل تعرض فى 6 سبتمبر عام 2003م الموافق يوم السبت لمحاولة اغتيال صهيونية، وذلك حين استهدفت مروحيات صهيونية شقة فى حى الدرج شمال مدينة غزة بقنبلة زنة ربع طن وكان يوجد بها أحمد ياسين واسماعيل هنية رئيس حكومة حماس المقال حيث حلقت طائرة مقاتلة إسرائيلية من طراز اف 16 وأخرى من طراز اباتشى على مستوى منخفض فى سماء المنطقة، وأطلقت قذيفة صاروخية على منزل مروان أبو راس المحاضر فى الجامعة الإسلامية المقرب من حركة حماس.. سقطت القذيفة بعد لحظات من مغادرة ياسين والقيادى فى الحركة إسماعيل هنية المنزل، أصيب ثلاثة فلسطينيين على الأقل بجراح فى الهجوم.. أصاب الصاروخ شقة فى عمارة سكنية من 3 طوابق مما أدى إلى تدميرها بشكل كامل، إلا أن أحمد ياسين خرج منها سالمًا رغم الدمار الهائل الذى لحق بالبيت.. وقد خرج ياسين من هذه المحاولة أيضاً أشد إصراراً على مواصلة المسيرة الجهادية، حيث لم تكن إصاباته إلا بجروح طفيفة فى ذراعه اليمنى بالقاتلة.

وفى يوم «الاثنين»22 مارس عام 2004 أطلقت الطائرات الصهيونية عدة صواريخ استهدفت أحمد ياسين لدى عودته من أداء صلاة الفجر فى مسجد المجمع القريب من منزله فى حى صبرا فى غزة بعملية أشرف عليها رئيس الوزراء الإسرائيلى أرئيل شارون، أطلقت خلالها مروحيات الأباتشى الإسرائيلية التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلى 3 صواريخ تجاه ياسين المقعد وهو فى طريقه إلى سيارته مدفوعاً على كرسيه المتحرك من قبل مساعديه، فسقط شهيدًا على الفور وجرح اثنان من أبنائه فى العملية واستشهد معه سبعة من مرافقيه، وتناثرت أجزاء الكرسى المتحرك الذى كان ينتقل عليه ياسين فى أرجاء مكان الهجوم الذى تلطخ بدمائه ومرافقيه خارج المسجد، مما أدى أيضًا إلى تناثر جسده وتحويله إلى أشلاء وهنا ارتقت روحه إلى بارئها ومات كما كان يتمنى.
الجريدة الرسمية