رئيس التحرير
عصام كامل

الذين يكرهون السيسي!


علمني أستاذى كيف أكون محايدا منحازا، وقد يكون المصطلح غريبا وربما شاذا ومدهشا؛ فالحياد يتعارض مع الانحياز، وهو الذي قصده أستاذى عندما أطلقه أمامي دون أن يجيب على تغير ملامحي، وكأنه أراد أن يتركني نهشا لأفكار مريضة.. قال أستاذى ألم تشاهد فيلم «أبو حلموس» وكيف جسد الفنان العبقري نجيب الريحانى دور الفاسد المحترف، عندما علم اللصوص السذج كيف يسرقون ويمنحون لصوصيتهم شرعية؟.


وللمرة الثانية لم ينتظر مني إجابة وأكمل حديثه قائلا: لكل مهنة أسرارها ولا وجود للإعلام المحايد في أعرق الوسائل الإعلامية، ولكن هناك مظاهر غير واقعية للحياد، وهى مجرد أشكال فنية توحي بالحياد دون حياد حقيقي؛ فاختيار المتحدث ولونه وطريقة تحدثه ومدى قبوله من عدمه كلها اختيارات يقوم بها القائم بالاتصال، سواء كان صحفيا أو مذيعا، وبالتالي فإن التدخل بالاختيار هو نوع من الانحياز.

وبدأ تدريبي على فنون الحياد الانحيازى من باب العلم ببواطن الأمور، وتعلم بعض أسرار المهنة من شيخ صحفي ماهر.. تذكرت دروس أستاذي عقب عرض التليفزيون المصري لاستقالة المشير عبد الفتاح السيسي، وانتهاء الرجل من إعلان ترشحه حينما عرض تليفزيون المصريين فيلما وثائقيا عن المشير، وما فعله من أجل مصر طوال الفترة الماضية مع مادة فيلمية مؤثرة، وجزء من حقائق ثابتة يعرفها القاصي والدانى.

وفي ردها على من اتهموا التليفزيون المصري بالانحياز للمشير على حساب حمدين، قالت الوزيرة، إنها عرضت للمرشح الآخر وتقصد حمدين مثلما عرضت للمشير، والحقيقة أن ماعرضته لحمدين هو بمثابة تخليص حق، أو بمعنى أدق تحت شعار «حتة هنا وحتة هنا» وقد بدا الأمر وكأنها إنما عرضت لحمدين لزوم ما أرادت عرضه للمشير، وبات المشير هو الأصل، وحمدين هو التابع، أو كما قال أبو حلموس شيء لزوم الشيء.

المثير أنني على يقين أن ما فعلته الوزيرة هو اجتهاد شخصى لاعلاقة للمشير به؛ فالرجل لم يطلب ذلك وهو أيضا ليس بحاجة إلى ذلك، بل على العكس ما فعلته الوزيرة أساء للمشير؛ لأنه قدم مادة مهمة استطاعت حملة حمدين استغلالها بنجاح، وكأن الذي انحاز هو المشير.. نفس الشيء وقعت فيه أهرام السبت الماضي، وهي الصحيفة الرائدة بحكم التاريخ ليس أكثر.. حيث نشرت الصحيفة على ثمانية أعمدة في مانشيتها الرئيسي تفاصيل عن حملة السيسي وفي النصف الأسفل من الصفحة نشرت موضوعا على أربعة أعمدة عن خطة حمدين لمحاربة الفقر.

إذن نفس الجريمة التي ارتكبها التليفزيون المصرى وقعت فيها أهرام الشعب، وكله من باب شيء لزوم الشيء، أي أنهم ينشرون على استحياء لحمدين حتى يكون ذلك مبررا يرددونه إذا ما أثير موضوع الحياد، وما فعلته الأهرام لاعلاقة للمشير به، وإنما هو نوع من المجاملة تصب نتائجه الإجمالية في صالح حمدين، وتأخذ من نصيب السيسي لا لشيء إلا لإحساس العامة بأن هناك مرشحا يحظى بمساندة وسائل الإعلام وآخر ليس له نفس النصيب.

وأتصور أن وزيرة الإعلام كان لزاما عليها إن أرادت أن تمارس الحياد الانحيازى، أن تتعلم كيف تفعل ذلك باحترافية وبمعايير يراها المراقب من حيث المظهر، وكأنها حياد، بينما هي على غير ذلك، ولو أرادت أن تفعل ذلك فإن مكتبنا مفتوح لها ولغيرها لمن أراد أن يمارس نوعًا من الانحياز المهني.

معظم الصحف بما فيها فيتو وبدرجات متفاوتة تسقط في مستنقع الانحياز، وأتصور أن ما حدث في الانتخابات الرئاسية السابقة لا يجب أن يتكرر؛ فالعابرون إلى الطريق الديمقراطي يجب أن تنضج تجاربهم يوما بعد يوم.. وسيصبح من غير المنطقى أن نسقط مرة أخرى في بئر الاستقطاب، ولن يكون من المنطقى أن تتحول المعركة الانتخابية إلى طعن في الشرف، أو الذمم، أو الكرامة؛ فكل المرشحين يجب أن يترفعوا في معركتهم، خاصة أننا والحمد لله ليس من بين مرشحينا واحد من هذا الفريق الذي تاجر في الجنة وباعها للناخبين.

الانتخابات الماضية كما يردد أحد أصدقائى كانت النسخة التجريبية رقم صفر، وتجربتنا الآن هي الأولى بعد الصفر، ورقم واحد بعد الصفر يعد مسافة كبرى يجب أن نقدرها حق قدرها، أما هؤلاء الذين يتصورون أنهم يخدمون المشير؛ فإن ما يفعلونه هو الكراهية الحقيقية التي يزرعونها ضد رجل لا ذنب له إلا أن بعض مريديه سذج!!.
الجريدة الرسمية