حيثما تكونوا.. يول عليكم
إذا رضى الله عن جماعة أو فصيل أو حزب، رزقه قيادة واعية، حكيمة، راشدة، حاسمة، حازمة، ذات أفق واسع، ونظرة بعيدة، ورؤية ثاقبة، وفهم دقيق، وإيمان عميق، تجيد الإنصات، وتنتقى الكلمات، وتختار الميقات، ذات علم وفقه وحسن تدبير وتقدير.. قيادة على هذا النحو، تسمو بالجماعة، تسوسها برفق، تهديها إلى طريق الفلاح والنجاح، تنجو بها من المهالك، تتخطى بها العوائق، وتصل بها إلى بر الأمان..
ومن الثابت علميا وتاريخيا وواقعيا، أن هناك توافقًا بين نوعية القيادة وطبيعة الأفراد، بمعنى أن الأفراد الصالحين تقودهم قيادة صالحة، والعكس صحيح.. وقد قيل إن الشعب -أي شعب- تأتيه القيادة التي يستحقها.. وسواء جاءت هذه القيادة بطريقة ديمقراطية حقيقية أو بطريقة فرضية قسرية، فالمثال صحيح.. في الأولى تكون القيادة ترجمة وانعكاسًا لقوة ووعى الأفراد، وفى الثانية تكون القيادة تجسيدًا لضعف الأفراد وغفلتهم..
من هنا كان الاهتمام بالأفراد ضروريا وحتميا، إذ منها تأتى القيادة.. إننا كثيرا نقرأ عن عظمة وعبقرية عمر كقيادة وأنه المؤسس -بعد النبى صلى الله عليه وسلم- لدولة الإسلام، وهى حقيقة لا جدال فيها، لكننا ننسى شيئا مهما وهو عبقرية الرعية في زمن عمر، والتي لولاها ما استطاع عمر أن يحقق تلك الإنجازات الكبرى..
لقد كان من أروع تجليات عبقرية الرعية تلك الكلمات الخالدة: "والله لو رأينا فيك اعوجاجًا لقومناه بسيوفنا.. فيرد عمر العظيم قائلا: الحمد لله الذي جعل في أمة عمر من يقوم عمر بسيفه.. لذلك وجدنا الإمام على يجيب عن تساؤل أحدهم: لم كثرت الفتن في عهدك ولم تكن في عهد عمر، فيقول: لأن عمر كان يحكم من هم مثلى، أما أنا فأحكم من هم مثلك!!
ما زلت أذكر جيدًا ذلك اليوم (٨ يناير ٢٠٠٤) الذي اتصل بى هاتفيا إخوانى من أعضاء مكتب الإرشاد يبلغنى بوفاة المأمون الهضيبى رحمه الله، ويطلب حضورى على وجه السرعة إلى القاهرة..
اجتمعنا في مكتب الإرشاد صبيحة اليوم التالى بهدف تسمية من سيقع عليه الاختيار من بيننا ليكون مرشدا.. لم يكن أحد يتخيل أن يصبح الأستاذ محمد مهدى عاكف مرشدا عاما لجماعة الإخوان، فخصائص الرجل لا تؤهله لتولى هذا الموقع على الإطلاق..
ويكفى أن بعضًا من أعضاء مكتب الإرشاد (خاصة من كبار السن)، والذين كانوا جزءًا من عملية التصويت أصابهم الذهول، ورأيتهم يضربون كفا بكف -استغرابا واستنكارا - بعد أن أسفرت نتيجة الانتخابات عن فوز الرجل، وكأنهم أفاقوا من نومهم على كارثة..
وقد ذكر لى أحد أعضاء مجلس الشورى العالمى من الإخوان المصريين الذين يعرفون الأستاذ عاكف جيدا بعد أن وصلهم الخبر وهم مجتمعون في لندن بتاريخ ١٤ يناير ٢٠٠٤ أنه قال: "يادى المصيبة"!!
والحقيقة أننى لم أكن أدرك حجم هذه المصيبة التي وضعنا أنفسنا فيها باختيارنا للرجل، إلا أن الأحداث بعد ذلك أبانت أشياء فوق التصور.. للأسف، كان من بين أعضاء مكتب الإرشاد من راهنوا على صعود الرجل على أمل أن الوضع سوف يتيح لهم كامل السيطرة على الجماعة..
كما أننا لم نكن بالشجاعة الكافية والإيجابية بحيث نوقف الرجل عند حده، ونعيد مسار قيادة الجماعة إلى الاتجاه الصحيح.
وهو ما كان يمكن أن يجنبنا كثيرا من الزلل في مستقبل الأيام.