ما قبل 26 مارس.. وما بعدها
بصرف النظر عن توقعاتك من جهة ترشح السيسي أم لا، بعد عاصفة من الإشاعات بين التأكيد والنفي طوال الفترة الماضية. وبصرف النظر عن رؤيتك للسيسي كمرشح عسكري أم مرشح مدني ذو خلفية عسكرية، وبصرف النظر عن اعتقادك أن السيسي هو الاختيار الأفضل أو الأنسب في هذا الوقت أم لا. إلا أننا أمام واقع حدث، أنه يوم السادس والعشرين من مارس وفي 15 دقيقة وبكلمة مقتضبة أعلن المشير السيسي ترشحه لمنصب رئيس الجمهورية، ليستخدم حقه الدستوري من الترشح طالما ترك منصبه العسكري. ولا شك أن ما من وطني مؤيد للسيسي لا يجب أن يتمني له إلا معارضة قوية لتعيده دائمًا للصواب، والمخلص لبلده وغير مؤيد له -حال فوزه- لا يجب أن يتمني له سوى النجاح لصالح هذا الوطن.
خطاب السيسي حمل الكثير من التوفيق والاتزان في طروحاته، ففي الوقت الذي أشار فيه السيسي إلى التحديات الاقتصادية الكبيرة والخطيرة التي تواجه مصر الآن، إلا أنه أكد على غنى مصر بمواردها وشعبها. كذلك أشار إلى الملف الأمني ومواجهة الإرهاب إلا أنه ربط ذلك الأمر بتفعيل القانون وحزمه على الجميع. كذلك أكد السيسي على أهمية ثورتي 25 يناير و30 يونيو وأن الشعب فيهما هو الذي أسقط النظامين وهو ما يُحمل السيسي مسئولية التخلص من النظامين اللذين لم يسقطا بعد فما زال نظام مرسي الفاشي يطل علينا بوجوه سلفية أخرى ومازال نظام مبارك يطل علينا بإعلامييه الذين عرفوا الإعلام في أجهزة أمنية سابقة.ولن تتعافى مصر قبل زوال دولة فساد مبارك وفاشية مرسي.
أعطى السيسي التزاما بمحاربة البطالة وحق المصريين في العلاج والغذاء والمسكن المناسب وحقهم في العيش
بكرامة وأمن وحرية، كما أكد على رفضه لأن يعيش المصريون على الإعانات ووصفها بالأمر غير المقبول، وهي وعود واضحة وصريحة تضعه في موضع المساءلة إذا لم ينفذها. فبالتأكيد أن السيسي يعلم أن ما بعد 26 مارس يختلف تمامًا عما قبل 26 مارس فأخطاء المرشح أو الرئيس الآن قد تقضي على إنجازات الملك المتوج الذي ساعد المصريين في إسقاط حكم ديني فاشي.
وعلى مدى الأشهر السابقة لم يُحمل أحد السيسي أخطاء الأداء الحكومي والإعلام والأمن وكذلك الاعتداءات المتكررة على الأقباط إلا أن من الآن ستتم المحاسبة سواء على أداء حملته الانتخابية ومن بها وعلى كل كبيرة وصغيرة بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية.
وتشاء الأقدار أن يلقي السيسي خطابه يوم السادس والعشرين من مارس، وهو ما يعيد للأذهان يوم 26 مارس عام 1963 حيث صدر الدستور المؤقت لمصر والذي وضع كل السلطات في يد جمال عبد الناصر، كذلك يوم 26 مارس 1964 حين اُفتتح مجلس الأمة وكان بلا معارضة وتابع فقط لعبد الناصر. وهو مخالف لكل وعود عبد الناصر البراقة السابقة للشعب المصري بالحرية والديمقراطية وحكم الشعب. فكم سمعنا حتى لم نعد نصدق أحدًا، وعلى السيسي ألا يسلك كما سلك من قبله بوعودهم الكاذبة.
السيسي فقط ولا أحد غيره سيثبت، هل عهده سيكون بداية لبناء مصر مدنية ديمقراطية حديثة نتمناها منذ ثلاث سنوات أو هو امتداد للمرحلة الانتقالية العبثية الماضية. السيسي بمفرده هو من سيؤكد هل هو خطوة على طريق «الاستبداد» أو خطوة على طريق «الديمقراطية» هذا ما ستكشف عنه الأيام القادمة.