الكاتب لا يعطى جزاء ما أخذه"
الكاتب الذى لا يعطى إلا جزاء ما أخذه، لا يملك أن يكون أديبا، لأن الأدب موهبة وليست صناعة، ولأن الأدب لا يصدر تكلفا بل حرا ساميا، ولا يصدر بشروط تنتهك كرامته، وتتاجر بموهبته، بل يرفرف بجناحيه ويغرد حينما يحلو له التغريد.
والكاتب الحر قد يواجه واقعا مظلما يثيره التخلف، وتحديا يختبر صموده فى مواجهة ما يتخبطه من الفقر حتى الثمالة، وصموده فى مواجهة استغلال جهات متعددة لموهبته وتوظيفها لخدمة مصالحها، ومواجهة من يتاجر بأفكاره وقلمه وتسويقه كسلعة رابحة تضيف لرصيدهم ربحا ماديا، أو توظيفه لإشهار أسمائهم، والركوب على أكتافهم، والعلو على حساب مجهودهم وتعبهم وكفاحهم.
وما أكثر ما يواجهه فى هذا الواقع المشحون بمظاهر كثيرة من النفاق الاجتماعى، ومع ذلك تجده فخورا بما يكتبه، سعيدا بعطائه الفكرى، مستغنيا عن النجومية والشهرة، قانعا بمكسبه البسيط الحلال، راضيا باختياره الحر بأن يكون مع الجمهور ومع الشعب لا مع النخب، يشارك البسطاء والسذج والعوام معاناتهم، وهمومهم، وقضاياهم، ويتوحد معهم فى أحاسيسهم الناعمة، وأحلامهم الفتية، ويتقوى بهمتهم، ويعلو بوجوده معهم، ويشتهر بحبه لهم وحبهم له، فهو لا يسكن جيوب الأثرياء، ولا يقفز على الأكتاف، ولا ينتقل بين الكراسى والمقاعد، ليستوطن الأكثر بريقا والأكثر امتلاكا واستعبادا، ولا يرتقى القمم لتشير إليه الأصابع وتهتف باسمه: هذا هو البطل، ولا يحتاج للأبصار لترفع إليه حتى تراه يتباهى بما أدركه من متاع الدنيا الزائل، وقد لا تراه لأنه بعيد فى منفاه الذى اختاره، بل يحتاج لبصائرهم وألبابهم وعقولهم لكى تشاركه التفكير والفهم والممارسة.
ولهذه الغايات يكتب ويؤلف، ومعهم يصنع عالما حرا، يشقون داخله طريقا للتعبير عن أفكارهم وآمالهم وآلامهم، وأحلامهم.