رئيس التحرير
عصام كامل

أمين عام جامعة الدولة العربية: الأمن العربي يتعرض لأخطار جسيمة.. حان الوقت لتنقية الأجواء وإزالة الخلافات وإعلاء مصالح منطقتنا الكبرى.. فلسطين قضيتنا المحورية والأزمة السورية تلقي بتأثيرات كارثية

الدكتور نبيل العربي
الدكتور نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية

أعرب الدكتور نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية عن أمله بأن يجري ترجمة شعار القمة العربية في دورتها الـ25  وهو "التضامن من أجل مستقبل أفضل" إلى خطوات ملموسة لتجاوز المرحلة الحرجة التي تمر بها العلاقات العربية - العربية، ومواجهة التحديات التي تواجه الأمن القومي العربي وتعرضه لأخطار جسيمة.

وأكد العربي في كلمته في افتتاح أعمال القمة على أن انعقاد القمة في دولة الكويت يعطي بارقة أمل لشعار "التضامن العربي"، ويستدعي ذلك العمل على تنقية الأجواء العربية وإزالة أسباب الخلافات وترسيخ قيم التضامن العربي، وإعلاء المصالح العربية الكبرى فوق أية اعتبارات أخرى.

وأضاف: "علينا أن نتعامل بشفافية وواقعية وصراحة مع الأسباب الحقيقية لما تشهده العلاقات العربية – العربية من توترات تهدد مستقبل المنطقة ووحدة شعوبها ونمائها واستقرارها السياسي والأمني، وتنعكس بالسلب أيضًا على الدور المناط بجامعة الدول العربية وقدرتها على التعامل الفعال مع الأحداث الكبرى التي تمر بها المنطقة، ويتطلب ذلك من الجميع مواجهة هذه الأوضاع، ووضع حلول ناجزة لها تكفل تعزيز التضامن العربي". 

وشدد على أن الأمن القومي العربي كان وما زال يواجه تحديات كبيرة، بعضها رافق نشأة النظام الإقليمي العربي ومؤسسته جامعة الدول العربية، التي أوشكت أن تتم العام السبعين من عمرها، وأخرى استجدت مع رياح التغيير التي هبت على المنطقة منذ ثلاث سنوات، وهي تحديات علينا التعامل معها برؤية إستراتيجية شاملة وحزم وإرادة حتى ننجح في تجاوزها والانطلاق نحو المستقبل. 

وأوضح في كلمته إلى أن أولى التحديات العربية وأكبرها هي القضية الفلسطينية، قضية العرب المحورية الأولى قضية العرب المركزية، مجددا التأكيد بأن هذه المنطقة بل والعالم أجمع لن ينعم بالسلام والأمن والاستقرار إذا لم يتحقق الانسحاب الإسرائيلي الشامل من كافة الأراضي العربية المحتلة.

وأشار إلى أنه بالرغم من الجهود الحثيثة التي تبذلها الإدارة الأمريكية في الآونة الأخيرة - والتي نقدرها ونطالب بمواصلتها - فإنها لم تسفر حتى الآن عن نتائج ملموسة؛ بسبب سياسة التسويف وكسب الوقت التي تتقن إسرائيل استخدامها من أجل مواصلة عمليات التهويد والاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها المسجد الأقصى وأحياء القدس القديمة.

وأكد أنه علينا مسئولية بحث البدائل والخيارات التقليدية - مثل الالتجاء إلى مجلس الأمن والأجهزة الدولية - وغير التقليدية التي يمكن أن نلجأ إليها إذا ما استمرت إسرائيل في محاولات إفشال الجهود الجارية، وعلينا طرق جميع الأبواب، مشيرا إلى أن أهم تلك البدائل ترتكز على أن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين يمثل نظام ابارتايد، وهو آخر معاقل الاستعمار في القرن الواحد والعشرين ويسير ضد حركة التاريخ، كما ترتكز تلك البدائل على الإدراك الدولي المتنامي لاستحالة استمرار الوضع القائم في الأراضي الفلسطينية، والتفهم العام للأثر المدمر للتعنت الإسرائيلي على فرص نجاح المفاوضات. 

وأكد أنه حتى الإدارة الأمريكية نفسها، ممثلة في الرئيس أوباما والوزير جون كيري، اعترفت علنًا بأن عرقلة إسرائيل لمساعي التوصل إلى إنهاء النزاع سيؤدي لا محالة إلى عزلة إسرائيل في المجتمع الدولي وسيعرضها لمقاطعة وعقوبات، وبالطبع فلقد هُوجمت الإدارة الأمريكية عندما قالت ذلك، ولا بد أن نرحب بهذا الموقف من الولايات المتحدة، وسوف ننتظر لنرى مدى تأثير هذا الموقف على مسار التفاوض.

وشدد أنه على جميع الدول العربية في هذه المرحلة المهمة من الصراع تكثيف تقديم الدعم للشعب الفلسطيني سياسيا واقتصاديا وماليا، وقبل كل ذلك الوفاء بالتعهدات التي قطعتها على نفسها لدعمه، ومساندة القيادة الفلسطينية في سعيها لاستعادة الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني.

وأكد العربي في كلمته أن ثاني هذه التحديات التي تعرض الأمن القومي العربي للخطر تتمثل في المأساة السورية، وعلينا مواجهة هذا التحدي بضرورة السعي لإنهاء الأزمة وإيجاد حل سياسي تفاوضي لها يحقق تطلعات الشعب السوري للتمتع بالحرية والديمقراطية، ويحافظ على استقلال سوريا الشقيقة وسيادتها الوطنية وسلامة أراضيها. 

وأضاف: "وإذا كانت هذه الأزمة قد أصبحت محل الاهتمام الدولي، وبندًا دائمًا على جدول أعمال مجلس الأمن منذ أكثر من عامين، إلا أنها تظل في الأساس قضية عربية بما لا يعفي الجانب العربي من مسئولياته القومية والسياسية والأخلاقية لمعالجة هذه الأزمة التي لا تهدد فقط مستقبل سوريا وشعبها وإنما مستقبل الأمن الإقليمي العربي بأسره، وتداعياتها الخطيرة تهدد الأمن القومي لدول المشرق العربي ووحدة نسيجها الاجتماعي. 

وأكد "أن الأزمة السورية بأبعادها وتداعياتها الراهنة والمستقبلية تلقي بتأثيرات كارثية على مجمل الأوضاع في المنطقة، وأضحت بحق أكبر مأساة في القرن الحادي والعشرين، فهذه الأزمة خلفت أكثر من 130 ألف من الضحايا الأبرياء، وغيرهم الآلاف من الجرحى والمفقودين والمعتقلين السياسيين، وأصبح أكثر من تسعة ملايين سوري ما بين مشرد ونازح ولاجئ، إضافة إلى ما تتعرض له بنية الدولة السورية وإرثها الحضاري العظيم واقتصادها ومرافقها الحيوية ومؤسساتها الوطنية من تخريب وتدمير نتيجة لاستمرار أعمال العنف والقتل".

وأوضح أنه على الرغم من إدراك الجميع على المستويين الإقليمي والدولي لفداحة وخطورة الأزمة السورية، إلا أن بلورة حل تفاوضي لها لا يزال بعيد المنال ومجلس الأمن لا يزال عاجزًا عن إصدار قرار لوقف إطلاق النار، كما أن تجربة جولتي المفاوضات في جنيف بين وفدي المعارضة والحكومة السورية التي انتهت في منتصف شهر فبراير الماضي، قد تكون قد وصلت إلى طريق مسدود؛ بسبب تصلب موقف وفد الحكومة السورية ورفضه الانخراط في مفاوضات جدية تفضي إلى تحقيق اتفاق حول تشكيل هيئة حاكمة ذات صلاحيات تنفيذية كاملة، الذي يمثل الحل المطلوب للأزمة السورية وفقا لما نص عليه بيان جنيف الأول الصادر في 30 يونيو 2012، وبالرغم من كل المحاولات التي يقوم بها السيد الأخضر الإبراهيمي الممثل الخاص المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية فإن هذه المفاوضات لم تتوصل إلى حل.

وأكد ضرورة التوصل إلى مقاربة جديدة، لإيجاد حل لهذه الأزمة يضع حدا عاجلًا لنزيف الدماء والدمار والمعاناة الإنسانية ويضع هذه الأزمة على مسار الحل التفاوضي المنشود، وعلى مجلس الأمن الجهاز المعني بالمحافظة على السلم والأمن الدولي أن يباشر مسئولياته وبجدية ويفرض تنفيذ قراراته، والائتلاف الوطني السوري عليه أن يكثف جهوده لتوحيد صفوف المعارضة تحت مظلته، واستكمال تشكيل مؤسساته حتى يكون معبرًا عن تطلعات وآمال الشعب السوري في مسيرته نحو بناء مجتمع ديمقراطي حر، بل وقائد لهذه المسيرة.

وأشار إلى أن ظاهرة الإرهاب التي أصبحت تهدد استقرار وأمن دول المنطقة بلا استثناء وتعصف بالمكتسبات التي تحققت، الأمر الذي يستدعي اتخاذ الإجراءات والتدابير التي تضمن القضاء على الإرهاب واجتثاثه من جذوره، وتجفيف منابعه والتصدي – ليس فقط لمن يقوم بالأعمال الإرهابية – ولكن أيضًا لعناصر تمويله وللمحرضين عليه، ولا يجب أن تقتصر تلك المعالجة على البعد الأمني فحسب، ولكن يجب أيضًا أن تتطرق إلى مواجهة الإطار الفكري المتطرف المحرك للإرهاب. 

وأوضح أن النقطة المحورية في مكافحة الإرهاب تتمثل في إرساء التعاون الإقليمي والدولي من خلال تبادل المعلومات والخبرات، وتسليم المتهمين والمحكوم عليهم في جرائم إرهابية، وتوافر الإرادة السياسية لتنفيذ الالتزامات التي تعهدت بها الدول إقليميا ودوليا.
وتطرق إلى الجهود العربية المتواصلة لإخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل، والتي أثمرت عن عدد مهم من القرارات والالتزامات الدولية بإقامة المنطقة الخالية من هذه الأسلحة في الشرق الأوسط.

إلا أن هذه الالتزامات تتعرض دائمًا للتسويف والتأجيل على الساحة الدولية، خاصة من قبل إسرائيل التي ما زالت ترفض الانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية أو أي من المعاهدات الدولية ذات الصلة، وتتمسك بترسانة ضخمة من هذه الأسلحة تمثل تهديدًا حقيقيا للأمن العربي، وقد أفردت ملحقًا خاصا في تقريري المطروح على القمة حول تطورات هذه القضية، بهدف إعادة تقويم الموقف ووضع تصور عربي متكامل للتعامل معها في المرحلة المقبلة.
الجريدة الرسمية