جماعة ضد المراجعات
لم يحدث في أي فترة من الفترات أن حاول الإخوان مراجعة تاريخهم، أو الاعتراف بخطئهم، إذ أنهم يتصورون وفقا لما عشش في نفوسهم أنهم الفئة الوحيدة في العالم التي حازت النقاء العقائدي والكمال الإنساني، وعندما ظهرت في الأفق منذ سنوات بعيدة مراجعات الجماعة الإسلامية، والتي أحدثت وقتها حالة جدل كبيرة، كان البعض ينصح جماعة الإخوان بولوج طريق المراجعات حتى ولو اقتصر الأمر على مراجعة التاريخ.
إذ أن التاريخ بأحداثه وتدفقاته يصنع في بعض الأحيان أفكارا ويغير في أحيان أخرى أيديولوجيات، إلا أن جماعة الإخوان إذا طُلب منها ذلك صنعت لنفسها "أذنا من طين وأذنا من عجين"، وكأن الأمر لا يعنيها، بل كانت وجوه قادة الجماعة تمتعض وكأن المراجعة من المحرمات التي ينبغي للمسلم أن يتجنبها أو الحرمات التي لا يجوز له الاقتراب منها، وكل الذي حدث من الإخوان وقتها أن قال المرشد الأسبق الحاج مصطفى مشهور: (إن جماعة الإخوان جماعة ربانية لا يقترب الخطأ من حياضها) !!
وأنني لا أتصور المراجعة لجماعة مرجعيتها هي القرآن والسنة، وأن من يطالبون بالمراجعة لا يفهمون أن الخطأ لا يتطرق إلى الجماعة لأن يد الله مع الجماعة، ومن بعده رد المرشد التالي له المستشار مأمون الهضيبي رحمه الله، مستنكرا مطالبات المراجعة قائلا: (ماذا نراجع ؟ نراجع القرآن أم نراجع الحديث الشريف؟)
وإذا قمنا بغض الطرف عن تلك الأقوال التي تجعل من جماعة الإخوان جماعة المسلمين وليست جماعة من المسلمين بل وتجعلها كأنها هي الإسلام ذاته وتضع فهمها للقرآن والحديث في مرتبة الصواب المطلق الذي لم يقل به أو حتى يدعيه جيل الصحابة وأجيال التابعين وتابعو التابعين وفقهاء الأمة المعتبرين على مر عصورها، إلا أننا لا يمكن أن نغض الطرف عن الخلط الذي تقوم به الجماعة دائما بين الأفكار التي تعتمد على فهم المسلم المجتهد للقرآن والحديث وفقا لقريحته وبين الممارسة الحقيقية للأفكار على أرض الواقع والتي تخضع للصواب والخطأ..
كما أننا أيضا لا يمكن أن نغض الطرف عن أن من أخطر النتائج التي تواجهنا إزاء جماعة تدعي القداسة هو أنها ستعتبر خلافاتها السياسية مع الآخرين هي خلاف بين الإسلام والكفر الذي يعادي الإسلام الذي هو بعينه في تقديرهم "جماعة الإخوان"، وهو الأمر الذي حدث بالفعل عندما ثار الشعب على جماعة الإخوان وطريقة حكمها، ساعتئذ وقع في ضمير الشباب الإخواني مسلوب العقل أن هناك مؤامرة دبرها أعوان الكفر ضد الإسلام!!.
مما لا شك فيه أن الإنسان يحتاج دائما إلى وقفات يتأمل فيها تاريخه أو بالأحرى ماضيه ومواقفه وقراراته.. يحتاج على وجه الخصوص أن يراجع طريقة ممارسته لأفكاره هل أصاب فيها أو أخطأ، والإنسان أو الجماعة التي تنأى بنفسها عن المراجعة بزعم أنها ربانية غالبا أو حتما تقع في نفس الخطأ أكثر من مرة وتلدغ من نفس الجحر مرات ومرات وتصطدم بالحائط نفسه في كل مرة.