رئيس التحرير
عصام كامل

أوقفوا الحرب الأهلية داخل القضاء


ما أتحدث عنه هنا ليس تدخلا في عمل القضاء بل الدفاع عن هذا الحصن المنيع الذي يعتبره المصريون الملاذ الآمن من الظلم والفساد وإظهار الحقيقة وإعلاء الحق والعدل وقيم المساواة حيث إن السلطة القضائية بالنسبة لي ليست فقط إحدي السلطات الثلاث المكونة لنظام الدولة أو أهمهم بل هي أعلاهم، هكذا تعلمنا من التاريخ وسأذكر هنا مشهدين من التاريخ يدعم مفهومي للقضاء على أنه سلطة أعلي من السلطة التنفيذية والتشريعية.


المشهد الأول:
جلوس الإمام على بن أبي طالب رضي الله عنه أمام القضاء والامتثال لأحكامه في واقعة الدرع الشهيرة وكان خصمه يهوديا وهو خليفة رسول الله في وقتها ورأس السلطة التنفيذية التي تدين لها أراض شاسعة من منطقة الشرق الأوسط بالولاء والطاعة، هذا المشهد رسخ فكرة مهمة ألا وهي " لا يوجد أحد فوق القضاء مهما كان شأنه حتي ولو كان خليفة المسلمين أو ملكا أو رئيس جمهورية".

المشهد الثانى:
هو من العصر الحديث بعد أن استلم شارل ديجول فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية وخروج الألمان منها فلم يجد أي مؤسسة من مؤسسات الدولة ومقوماتها أي شيء يستطيع أن يبني بها دولة فسأل مساعديه بعد أن أخبروه بأنه تقريبا لا يوجد لدينا دولة "ماذا عن القضاء ؟؟ " فقالوا "ما زال بخير " فرد قائلا " إذًا نستطيع أن نصلح البلاد في سنوات قليلة".

وعلي إثر ذلك فقد تألمت كثيرا لما حدث للمستشار الجليل زكريا عبدالعزيز وما يحدث معه من تصفية حسابات لا علاقة لها بالقضاء بل للنيل منه كونه كان رمزا من رموز ثورة يناير وكونه مرشحا محتملا لرئاسة نادي القضاء بعد تعالت أصوات من داخل القضاء بعودته للنادي مرة أخرى، وما استوقفني في هذا الأمر أن ما وجه إليه من اتهامات تتعلق بالاشتغال بالسياسة والتحدث في الإعلام.. هي نفس الاتهامات التي وجهت لبعض القضاة المشهورين إعلاميا لكن لم يتم التحقيق معهم مما يثير كثيرا من علامات التعجب بل زاد الأمر تعقيدا هو رفض وزير العدل لمذكرة تقدم بها المستشار زكريا عبدالعزيز لرد قاضي التحقيق المنتدب للتحقيق معه لوجود خصومة شخصية بينهما مما يفتح الباب للشبهات ووجود نية مبيتة ضده.

ناهيك عن اتهامه باتهامات لا أساس لها من الصحة كانتمائه لجماعة الأخوان المسلمين والقصد منها هو الاغتيال المعنوي، هذا الإسلوب الرخيص المتداول في مصر حاليا مع الأسف في حين أن المتابع لزكريا عبدالعزيز في فترة الإخوان سيجد أنه رفض المناصب التي عرضت عليه من الإخوان كوزير للعدل أو نائب عام أو أمين عام لمجلسي الشعب والشوري أو محافظ القاهرة.. وقال وقتها " لن أقبل كما قبل الآخرون ولن أبيع كما باع الآخرون وأفضل عندي أن أكون قاضيا من الدرجة الثانية أفضل من تلك المناصب ".. هكذا هو زكريا عبدالعزيز صاحب رسالة استقلال القضاء وزعيم تيار الاستقلال المدافع عن محراب القضاء ضد تدخلات السلطة وعبث الحكام.

الأمر هنا يحتاج تدخلا سريعا لوقف ما يحدث من حرب أهلية داخل القضاء.. فالتصادم قادم لا محالة بين أنصار الطرفين وإن حدث فتخيل معي تبعات ذلك داخليا وخارجيا من المتربصين.. خاصة أن هذه الحرب داخل مؤسسة بحجم السلطة القضائية وثقلها فالأمر لا يحتمل التأخير.
الجريدة الرسمية