رئيس التحرير
عصام كامل

‏"فيتو" ترصد ليلة هروب الرئيس.. مشاهد الرعب تسيطر على الرئاسة.. الحرس الجمهورى يرفض التدخل ويطلب من مرسى الذهاب ‏لمنزله.. الرئيس الإخوانى يرفض العودة للتجمع الخامس ويفضل الذهاب لقصر ‏‏"آمن"‏

فيتو ترصد ليلة هروب
"فيتو" ترصد ليلة هروب الرئيس

الزمان.. الجمعة ١فبراير، المكان.. شوارع مصر الجديدة بالقرب من قصر ‏الاتحادية.. حيث يجلس الدكتور محمد مرسى ويمارس إدارة البلاد بالوكالة ‏عن جماعة الإخوان المسلمين، الحدث.. الآلاف يزحفون اتجاه القصر ‏لخلع الرئيس فيما سمى بجمعة "الخلاص".‏


البداية كانت مع انتهاء صلاة الجمعة، حيث بدأ المتظاهرون فى التوافد إلى ‏القصر من معظم الميادين على الرغم من سوء حالة الطقس ونهاية المشهد ‏فى ذلك اليوم كانت مع سحل مواطن يدعى حمادة صابر، قامت مجموعة ‏من قوات الأمن المركزى بسحله وتعريته بالقرب من أسوار قصر الرئاسة، ‏وعلى مرأى ومسمع الجميع، وما بين المشهدين تداخلت مشاهد أخرى ‏عديدة لكنها كانت فى الخفاء بعيدا عن الأعين ولم يرها أو يسمعها سوى ‏بعض الأفراد القليلين الذين كانوا موجودين داخل أسوار قصر الاتحادية ‏فى ذلك اليوم، إلا أنها كانت ليلة مرعبة عاشها الرئيس محمد مرسى، ‏وربما تكون هى الليلة الأكثر رعبا فى حياته كلها.‏

الرئيس يشاهد
مع دقات الساعة الخامسة عصر الجمعة، كان الرئيس محمد مرسى يقبع ‏داخل الاتحادية وهو يشاهد المتظاهرين الذين باتوا قريبين جدا من أسوار ‏القصر عبر شاشة تبث ما تنقله كاميرات المراقبة التى تم زرعها على ‏أسوار القصر، وعلى شاشة أخرى كان مرسى يتابع ما يحدث خارج ‏أسوار قصر الرئاسة عبر المحطات الفضائية، وقتها لم يدر بخلد الرئيس ‏أن الأإمور ستتصاعد وتتحول الساحة التى تقع خارج أسوار القصر إلى ما ‏يشبه ساحة للحرب.‏

الأحداث تتصاعد
دفعة واحدة تصاعدت الأحداث خارج "الاتحادية".. فمع أول قنبلة ‏‏"مولوتوف" قام أحد المتظاهرين بإلقائها لتتجاوز أسوار القصر وتستقر فى ‏حديقة "الاتحادية"، انتفض الرئيس من هول ما يرى ولم تصدق عيناه فى ‏بادئ الأمر ما يحدث إلا إنه سرعان ما فاق من ذهوله ليطلب من قائد ‏الحرس الجمهورى إيقاف ما سماه بالمهزلة التى تحدث خارج القصر حتى ‏لا تتفاقم الأمور، إلا أن قائد الحرس أخبر الرئيس بأن الحرس الجمهورى ‏مهمته تقتصر على حماية القصر من الداخل والحفاظ على حياة الرئيس، ‏وزاد على ذلك تأكيده للرئيس أن قوات الحرس الجمهورى إذا ما تدخلت فى ‏هذا الأمر؛ فستحدث مجزرة على أبوابه ولن يستطيع أحد السيطرة على ‏الأمور.‏

الاتصال بصديق
فى هذه الأثناء أدرك الرئيس أن الوقت حان ليتصل بعشيرته لتخرجه من ‏هذه الورطة، فقام على فوره بالاتصال بالمهندس خيرت الشاطر نائب ‏المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، فما كان من الشاطر إلا أن هدأ من ‏روع الرئيس وأخبره أن شباب الإخوان قريبون جدا من قصر الاتحادية ‏وأنهم سيتدخلون إذا ما لزم الأمر ذلك، خاصة أن الجماعة حشدت شبابها ‏من مختلف المحافظات وأمرتهم بالتمركز فى رابعة العدوية وشارع ‏الطيران وبعض المساجد الأخرى القريبة من قصر الاتحادية انتظارا ‏لأوامر التدخل إذا ما ساءت الأمور.‏

الشاطر طلب من الرئيس أن يتصل بوزير الداخلية ويعطيه أمرا بالتدخل ‏بكل حزم وقوة لفض ما يحدث خارج أسوار الاتحادية وإخباره أن عليه أن ‏يستخدم القوة لفض هذا الأمر.‏
صمت الرئيس برهة ثم استعاد تفكيره وطلب من مساعديه الاتصال بوزير ‏الداخلية اللواء محمد إبراهيم، وكان ذلك فى حدود الساعة السادسة والنصف ‏تقريبا، حينما أمسك مرسى بسماعة الهاتف وطلب من إبراهيم التدخل ‏بأسرع وقت لإيقاف ما يحدث خارج أسوار"الاتحادية"، فما كان من ‏إبراهيم إلا أن أخبر الرئيس أن تدخل الأمن المركزى فى هذا الأمر ‏سيصعب الأمور على الجميع ومن المتوقع أن يقع ضحايا نظرا لوجود ‏مندسين بين المتظاهرين يعملون على تأجيج الأمور ويقومون بأعمال ‏فوضى وتخريب منظمة.‏

لكن الرئيس لم يرق له كلام وزير الداخلية وأخبره أن هناك أمراً من ‏رئيس الجمهورية يقضى بتدخل الشرطة وإنهاء ما يحدث أمام أبواب قصر ‏الرئاسة بأى ثمن كان، وأن هذا الأمر لا نقاش فيه وعلى الوزير تنفيذ ‏الأوامر بصفة عاجلة.‏

استمع وزير الداخلية لأوامر الرئيس مرسى وأخبره بأنه سيصدر أوامر ‏عاجلة لقوات الأمن المركزى المتمركزة بالقرب من قصر الرئاسة بالتدخل ‏الفورى لوقف ما يحدث.. لكنه لا يتحمل تبعات ما يحدث بعد هذا التدخل ‏فأغلق الرئيس الهاتف وانتظر أن يرى أوامره تنفذ على أرض الواقع.‏

الأمور تتصاعد
ولم تمر ١٥ دقيقة إلا وكانت مدرعات الأمن المركزى تدافع عن قصر ‏الرئاسة، مستخدمة القنابل المسيلة للدموع والخرطوش، واستمرت كذلك فى ‏استخدام وسيلة دفاع أخرى بدأتها قوات الحرس الجمهورى وهى خراطيم ‏المياه التى أغرقت المتظاهرين، إلا أن تدخل الأمن المركزى الذى شاهده ‏الرئيس بعينه من داخل القصر زاد من اشتعال الأجواء خارج الأسوار، ‏فالمتظاهرون بدأوا فى زيادة عدد قنابل المولوتوف الموجهة لداخل قصر ‏الرئاسة، ليس ذلك فحسب بل إن بعضهم تسلق الأسوار وحاول الدخول ‏إلى القصر إلا أن خراطيم مياه "الحرس الجمهورى" كانت لهم بالمرصاد ‏وأفشلت مخططهم الذى تكرر كثيرا.‏

الانسحاب من القصر
مع تصاعد الأمور أدرك "الحرس الجمهورى" ان الأحداث قد تتطور ‏بصورة أكثر من ذلك؛ ليدخل المتظاهرون القصر الرئاسى ووقتها تحدث ‏مواجهة محتومة قد تخلف مئات الضحايا من الجانبين، فتدخل قائد الحرس ‏وأخبر الرئيس مرسى بضرورة أن يترك القصر ويرحل إلى منزله بالتجمع ‏الخامس، إلا أن الرئيس مرسى رفض هذا الاقتراح رفضا قاطعا وقال لقائد ‏الحرس: وما الفرق بين الاتحادية وبيتى فكلاهما معروف للمتظاهرين.‏

وقتها أدرك قائد الحرس أن مرسى يخشى الذهاب لبيته لإدراكه أن منزله ‏معروف للمتظاهرين، فعرض على الرئيس أن تقوم قوات الحرس بنقله إلى ‏مكان آمن بعيدا عن الاشتباكات، وفى منطقة قريبة جدا من قصر الاتحادية، ‏فسأل الرئيس عن هذا المكان الآمن، فما كان من قائد الحرس إلا أن أخبره أن هذا قصر يتبع رئاسة الجمهورية لكنه غير معروف ويقع بالقرب من ‏كنيسة البازيليك للروم الكاثوليك فى شارع الأهرام بالقرب من قصر ‏البارون، ولا يبعده عن قصر الاتحادية سوى دقائق معدودة.‏
اقتنع الرئيس ووافق على الانتقال للقصر الآمن الذى تحميه قوات الحرس ‏الجمهورى لكنه غير معروف للعامة، ويكاد يكون مهجورا ولا يستخدم إلا ‏فى حالات الخطورة القصوى.‏

بدأت قوات الحرس الجمهورى بالتحرك لتنفيذ خطة محكمة تم إعدادها ‏لمثل هذه الظروف، واختارت الخروج من أحد الأبواب البعيدة عن أماكن ‏الاشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن، ولم تخرج هذه المرة فى ‏أسطول من السيارات كما كان يحدث من قبل واكتفت بأن يرافق الرئيس ٤ ‏سيارات فقط على أن يتبعه بقية طاقم الحراسة الخاص به.

وبالفعل ما هى إلا دقائق معدودة وكان الرئيس وبعض معاونيه خارج ‏أسوار الاتحادية ووصلوا إلى القصر البديل واستقروا به ليشاهدوا ما ‏يحدث خارج أسوار قصر الرئاسة عبر شاشات التلفاز.‏

* " نقلا عن العدد الأسبوعى"
الجريدة الرسمية