رئيس التحرير
عصام كامل

كارثة الخروج من ليبيا


المصريون في ليبيا نفس المسلسل الممقوت والممل والمهين.. يذبحون في الشوارع ويقتلون على النواصي وتنفذ فيهم أحكام إعدام على الملأ ويطاردون في كل مكان لا لشيء إلا لأن بلادهم لا تزال غير قادرة على حمايتهم على أن أولى درجات الحماية أن يصبح لهؤلاء في بلادهم أمل ومستقبل وغد أكثر وضوحا.. إنهم إن وجدوا ذلك فإنهم لن يغادروا أصلا.


اتصل بي صديق مقيم بدولة ليبيا وفي نفسه غصة ومرارة بعد أن استطاعت وزارة الخارجية أن تعيد البعثة الدبلوماسية إلى البلاد وكأن مصر في ليبيا ليست إلا بعثة دبلوماسية علما بأن المصريين في ليبيا قد يزيدون على المليون، والغريب أن الليبيين في مصر قد يصلون إلى نفس رقم المصريين في ليبيا.. هل سمعتم عن بلطجي مصري اختطف ليبيا؟.. هل سمعتم عن ليبي تعرض لمضايقات في مصر؟ الفارق ليس لأننا الأرقى أو الأكثر تحضرا لكن لأنه لا يزال في بلادنا ركائز لدولة قوية مهما اعتراها من أعراض المرض بينما الحال في ليبيا أسوأ من تصورات الجميع.

ولأن «ليبيا شأن مصرى، كما أن مصر شأن ليبي»، فإننا نخشى أن نظل في دوامة مطاردة الإخوان أو ننشغل بالحرب على الإرهاب دون أن ندرك حجم الخطر الساكن في الجارة ليبيا إذ إن استقرار ليبيا هو جزء من استقرار مصر وتنامى الإرهاب في ليبيا من شأنه التأثير المباشر على الاستقرار في مصر إن لم يكن في شمال أفريقيا كلها، وهؤلاء الذين يعبثون بأمن ليبيا إنما يعبثون بأمن مصر ووصول ليبيا إلى محطة التقسيم هو الخطر الأكبر.

ومن نفس المنطلق أخشى أن نردد ما كان يردده جحا من أن الحريق بعيد عن بيته لأنه في بيت جاره حتى أصبح هو جزء من الحريق، وهو نفس الأمر الذي ردده العرب عندما أرادت أمريكا التهام العراق فتصور العرب أنهم بعيدون عن الأمر حتى أصبحوا في مرمى نيران نفس العدو.. وهاهي نفس النيران تنهش في اللحم الليبي ولن تتوقف عن حدودها مع مصر أو تونس أو الجزائر أو السودان.

ليبيا تتفكك ويتمدد تفككها ليصبح سرطانا يأكل الأخضر واليابس، وكما انشغل العرب بمشهد استشهاد صدام حسين فإنهم انشغلوا بميتة القذافي دون أن «تبرح» أذهانهم مشهد الميتة إلى ما بعد القذافى.. وما بعد القذافى، إما أن يكون بردا وسلاما على ليبيا أو نارا تشتعل ولن يطفئها عدو متربص في أوربا أو واشنطن وفي ذات الوقت لن يتوقف لهيبها عند طرابلس فقد يطول ما لم تطله نار التشرذم الممتدة في بغداد.

خسر الخليج العراق فوصل التهديد الإيرانى إلى الحلقوم، وإن خسرنا ليبيا بموقعها فإن أعداء مصر وأعداء العرب لا يقيمون خارج ليبيا وإنما وصلوها مع صبات النيران الأوربية التي نفذتها قوات الناتو عندما أسقطت مع قنابلها عملاء وخونة وأفكارا شيطانية تنهش كل ما هو عربى وتحرق كل ما هو محيط جغرافى.. من أجل ذلك، فإن الملف الليبي أشد خطرا من فكرة إخلاء الدبلوماسيين المصريين فالخروج المصري من ليبيا أقسى من البقاء فيها مهما كان الثمن.

ليكن الخروج الآمن للمواطنين البسطاء الذين تنفذ فيهم مخططات لاعلاقة لها بالشعب الليبي فليس من المتصور أن يكون هذا هو موقف الشعب الليبي من دولة كانت صاحبة إنشاء أول جيش للتحرير الليبي على أرضها وبدعمها.. كنا أول من اخترق الحدود الليبية من أجل تخليصها من المحتل الغاشم والآن تعاقبنا قوى الشر هناك.. قوى الشر القادمة فوق صواريخ الناتو من أجل أن نترك ليبيا نهبا للإرهاب وغنيمة لكل طامع، وهو الأمر الذي يجب أن ندافع عنه دفاعنا عن أمننا القومي وعن أمن واستقرار ليبيا باعتبارها شأنا مصريا.
الجريدة الرسمية